وداعا أيقونة فلسطين وداعا كلمة الحق الصحفية شرين أبو عاقلة

تابعنا على:   12:06 2022-05-13

محمود جودت محمود قبها

أمد/ صباح الدم الفلسطيني الطاهر والقاهر للمحتل الإسرائيلي ، صباح معبق بحب الوطن ، صباح صمتت فيه كلمة الحق ، وقُتِلَت الحقيقة ، صباح صعدت فيه روح شيرين ، ومن على تراب جنين إلى رب العالمين .

شيرين التي أحبها الناس، وبالأخص أهالي مخيم جنين، حيث شهدت معهم اقتحامات المخيم من قبل قوات الاحتلال، وكانت تتنقل في المخيم بحثاً عن الشهداء والجرحى في مساعدة منها للأهالي، ستبقى حيّة في الأذهان، وستكتب جزء من الذاكرة الفلسطينية التي توثق جرائم الاحتلال، شيرين حفرت صوتها وصورتها في قلوب وعقول الناس، شيرين ستكون القدوة والمثال الذي يحتذى به في عالم الصحافة ونقل الحقيقة. رحم الله شيرين و تقبلها شهيدة وأسكنها في عليين من الغباء أن يعتقد هذا المحتل المغتصب العنصري الإحتلال المجرم، أنه باستهداف شيرين واغتيالها بهذه الطريقة الوحشية مع سبق الإصرار والترصد، يكون قد تخلص من صوتها وتقاريرها، ولا يعلم أن شيرين هي كل صحفي فلسطيني يمارس عمله من الميدان لنقل الحقيقة ويفضح الاحتلال، شيرين هي نموذج بالنموذج الأمثل للصحفي الفلسطيني الشجاع المناضل، وأن هناك أجيال من هذا النموذج ستظهر كل يوم .

صوت الحق في هذه الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها فلسطين المحتلة أصبح ما يكون نادراً، باعتقاد هذا الكيان بأن الصحافة هي الصوت الأكيد في نقل الخبر من خلال الصوت والصورة يجب إسكاته بكل الطرق، فهذا هو النهج الذي يسير عليه هذا الكيان

ما حدث في فلسطين وتحديداً في جنين لإسكات الصوت الحر لناقلي الأخبار بطريقة مهنية يريد طمسهم واسكاتهم بالقوة الجبرية، واغتيال الصحفيين بهذا الشكل لا مبرر له على الإطلاق، شهود العيان والكاميرات بالصوت والصورة تبين بأن عملية الاغتيال التي تمت في جنين هو مكاناً هادئاً ولا يوجد به مقاومين كما تدعي الرواية الإسرائيلية.

هذه الجريمة تضاف إلى جرائم الاحتلال الذي يرتكبها على أرض فلسطين يوماً بعد يوم، ويعتبر إرهاب دولة منظم، وليس خطئاً كما يدعون، فهذا الإرهاب يجب أن يقابل بقوة السلاح من الطرف المقابل كما يقول المحللون، بما أن المستهدف الصحافة ومن قبلهم الأطفال والعجز والنساء والذين لا يحملون السلاح يأتون فقط للصلاة والعبادة في القدس، يواجهوا بقوة نيران إسرائيلية غير مسبوقة، فما حدث مؤخراً كان دليلاً حالة التخبط والرعب الذي يعيشه هذا الكيان على الساحة الفلسطينية وتحديداً في القدس وجنين

اغتيال شيرين نتيجة التحريض الإسرائيلي الممنهج على استهداف الصحفيين الفلسطينيين انحيازهم قضيتهم وشعبهم ومهنتهم، والتي يُراد منها إرهاب الصحفيين والإعلاميين واسكاتهم ومنعهم من مواصلة التغطية والكشف عن الحقيقة وفضح الجرائم الإسرائيلية وإرهاب الدولة المنظم. باغتيال الصحفية الأيقونة شيرين أبو عاقلة الشاهدة على جرائم الاحتلال ومستوطنيه برصاصة غدر إسرائيلية، أصبحت شهيدة فلسطين الوطن والهوية.

عملية اغتيال الشهيدة شرين ابو عاقلة،لم ولن تكون الأخيرة في إستهداف الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين الذين يتعرضون يومياً للقمع والتنكيل والضرب بوحشية بالأيدي والهراوات والرش بالغاز المدمع وإطلاق قنابل الصوت والرصاص المطاطي والحي وتكسير اجهزتهم ومعداتهم بكاميراتهم وعمليات الاعتقال والمحاكمات بحقهم ولعل الشاهد الحي على جرائم الإحتلال بحق الصحفيين بادية للعيان بشكل واضح في ساحات الأقصى وساحة باب العامود،وهي تأتي في إطار اغتيال الحقيقة والكلمة الحرة،ومنع كشف جرائم الإحتلال وكل ما يتصل بمسلسل القمع والتنكيل بحق شعبنا الفلسطيني

لا شك في أنّ صاحبة الابتسامة الدائمة، على الرغم من الألم والحزن داخلها، استطاعت أنْ تدخُل كُل منزل، ويعرفها الجميع، تعمل بصبرٍ وثباتٍ، من دون مللٍ أو كلل أو ضجر، أكان ذلك في ساعات الصباح أو وضح النهار أو في الليل المُدلهم، وظروف الطقس وطبيعة المنطقة، فتنقلُ الوقائع بكل حذافيرها، بصدقٍ ومهنيةٍ عالية، لأنَّ نقل الحدث كفيل بكشفِ حقيقة جرائم الاحتلال المُتمادية صاحبة الروح المرحة، الفتاة المُثقّفة، التي تُشكّل نموذجاً راقياً للإعلام الفلسطيني والحركة النسوية، استحقّت العديد من الجوائز والتكريمات، لكنّها بالأمس نالت أعلى المراتب، شهيدة على أرض جنين، لتُزفّ عروسةً من القدس على مقربة من إحياء ذكرى النكبة الـ74 والنكسة الـ55، لتُعيد تعبيد الطريق، تكريساً لرسم خارطة فلسطين بالدم القاني.

فلا نريد الإجابة لأننا نعلمها جيداً ، شيرين أبو عاقلة دفعت ثمن وطنيتها وانتمائها لقضيتها العادلة وإعلاء كلمة الحق بالصوت والصورة ، شيرين رحلت إلى جوار رفقاء الدرب قافلة شهداء فلسطين الابطال والاحرار ، الاحتلال لا يفرق بين الأطفال أو النساء أو الشيوخ، لا يفرق بين المدنيين والثائرين من أجل حريتهم وأرضهم ومقدساتهم  وحقهم في تقرير مصيرهم، نطالب الإعلام الفلسطيني  والقيادة الفلسطينية والجهات المعنية توصيل الصوت والصورة الحقيقية في المحافل الدولية عما يجري على أرض فلسطين من جرائم من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر نفسه فوق القانون الدولي والإنساني ، فأين الدول التي تدعي بالديمقراطية، وحق تقرير المصير ،وتحرم وتجرم وتنفي الاحتلال من التاريخ الإنساني.

نعم الصحفيون مستمرون بالتغطية ويعلمون تماما أن رسالتهم في تغطية أخبار فلسطين وكشف حقيقة ما يجري من انتهاكات واعتداءات رسالة لا تعدلها رسالة لكن هواجس الإصابة والضرب والاعتقال تبقى حاضرة في ذهن أبناء الميدان تغيب فقط ساعة المواجهة والعمل لتحضر في كل الأوقات خارج التغطية.

ستكون شرين أبو عاقلة رمزاً للحب والحياة وفلسطين... وحين تسجى في غفوتها الأخيرة تحت تراب القدس, حين يزهر الدحنون على حواف القبر... وحين يأتي الندى في الصباح.. وتفوح رائحة المسك من بين ثنايا التراب... وحين تحتفل المقبرة كل صباح بها... ويحاول العشب أن يقلد جديلتها في نموه... وحين يمر بعض الأطفال من جانب القبر ويتذكرون إطلالتها على الشاشة.. وحين يأتي بعض الرهبان ويتلون صلاة من الحب على قبرها... حين يحدث كل ذلك, ربما ستقرع أجراس الكنائس في بيت لحم والناصرة... معلنة صلاة التحرير وصلاة الشكر.. وصلاة خالصة لفلسطين المطهرة من دنس اليهود..شيرين أبو عاقلة.. لم تكن صحفية فقط, ولا وردة.

 

ودعنا جميعاً جثمانك المحمول على الأكتاف وعلى وقع النشيد الوطني .. ودعناك كفارسة للكلمة الحرة والإعلامية المتميزة ودعناك وجسدك ينطق بالحقيقة ويحمل رسائل واضحة عن إرهاب الاحتلال ودمويته ..ودعناك مقدسية تعود على صهوة الحرية الى مسقط رأسها .. الى بيت حنينا وبوابات واسوار ودروب القدس ..كان وداعاً يليق بك كممثلة لفلسطين وشعبها المناضل ..ودعناك وأنت تدركين انك سكنتي قلوب الملايين في كل اصقاع الارض ..شيرين لا نقول وداعاً .. بل نقول ان موتك أعاد لفلسطين روحها ومكانتها .. ونقول وعلم فلسطين يضلل جثمانك انك كتبتي بدمك فصلاً جديداً سيبقى شاهداً على جرائم الاحتلال وارهابه  الى جنات الخلد ( وسيبقى دمك امانة باعناقنا).

مبروك لك أيتها الشهيدة شيرين أبو عاقلة، فقد اعتلاك رب العرش ورب الرحمة لتكوني في جنات فردوسه ، بعد أن دافعت بضراوة عن الكلمة والحق ، ولم يخش في الحق لومة لائم نامي رغيدة العين ، يا قريرة العين، وقرة عين كل فلسطيني وعربي شريف، وقف بوجه الإحتلال، ورفض جرائمه التي فاقت جرائم النازيين وعصابات الجريمة في العالم أجمع لك الرحمة والغفران، أيتها الصحفية الشجاعة المناضلة.. وشهادتك ستكون حافزا للأجيال ، يسرع بتحقيق أمل شعبك، بأن تتحرر فلسطين من رجس الصهاينة، ويرتفع العلم الفلسطيني عاليا فوق ربى القدس العربية، وكل أرض فلسطينية شماء.

لك من أحرار العالم ، ومن فلسطين البطولة من الوطن العربي الذي لم يبخل على فلسطين يوما ما، إلا بعد أن توطأ حكامه مع الإحتلال، وارتضوا الخنوع والذل والمهانة عمالتهم لأمريكا والصهاينة، وهم اليوم ليس بمقدورهم أن يحركوا شفة لنصرة قضية شعبك ، بعد أن تخلى  من عملاء الاحتلال، عن قضية فلسطين ، وهم يكذبون عندما يظهرون صوتهم الخافت المستنكر ، بعد أن أيقنوا أنهم باعوا قضية فلسطين بثمن بخس في سوق النخاسة لك من شعب فلسطين  ومن مناضليه النشامى وصوتهم العروبي الهادر، ومن كل عربي شريف ، تحية وتقدير وعرفان ، يا تاج عزنا ورفعة رؤوسنا، ، وأنت علمها المشرف الذي يرفرف في الآفاق ، ياشهيدة الكلمة ، لتكون نبراسا للأجيال العربية، في أن يكون يوم استشهادك يوما لرسالة الكلمة، وأيقونة لانطلاقتها، يحتفل به العالم أجمع..وأنت ترقدين في جنات الخلد آمنة مطمئنة، مع الشهداء والصديقين، امتثالا لقوله تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" والرسالة أمتنا المجد والخلود.

وداعاً سيبقى في عيون شعب بأكمله ..وداعاً ممزوجاً الحسرة والدموع والوجع  

اخر الأخبار