إسرائيل والديمقراطيات الغربية وحقيقة الالتزام باحترام حقوق الإنسان

تابعنا على:   13:08 2023-01-18

عمرو حلمى

أمد/ جاء نمط تصويت الديمقراطيات الغربية على مشروع القرار الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة الماضى، بأغلبية ٨٧ صوتًا حول طلب الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية فى شأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة- ليكشف مجددًا مدى التزام تلك الدول باحترام القانون الدولى العام والإنسانى، حيث صوّتت ضد مشروع القرار كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وكندا، وانضمت إيطاليا للأسف الشديد إلى قائمة الدول التى صوتت ضد مشروع القرار، فضلًا عن كل من المجر والنمسا ورومانيا وجمهورية التشيك، فى حين امتنعت ٥٣ دولة عن التصويت، منها فرنسا وفنلندا واليونان واليابان وهولندا والنرويج وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا والدنمارك وصربيا ولاتفيا، كما كشف نمط التصويت انقسام مواقف دول الاتحاد الأوروبى؛ ففى الوقت الذى صوتت فيه لصالح مشروع القرار كل من البرتغال وأيرلندا وبلجيكا، فقد تنوع نمط تصويت الدول الأوروبية الأخرى بين الرفض والامتناع عن التصويت، كما التزمت كافة الدول العربية، بما فيها التى ترتبط بعلاقات مع إسرائيل، بطبيعة الحال بالتصويت لصالح مشروع القرار.

فعلى الرغم مما تدعيه الديمقراطيات الغربية عن الأهمية التى تحظى بها قضايا الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان فى نسيج سياستها الخارجية، فإنه من الملاحظ أن تركيزها ينصب على ما يُعرف بحالات الانتهاكات الفردية لحقوق الإنسان أو الـ individual case المقصود بها حرية الرأى والتعبير، وحق التظاهر السلمى ومناهضة الاحتجاز التعسفى وسجناء الرأى والقيود المفروضة على الدور الذى تقوم به منظمات المجتمع المدنى، وذلك بدرجة تفوق اهتمامها بالتصدى لحالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو الـgross violations التى تشمل الاحتلال والعدوان والفصل العنصرى والتطهير العرقى والجرائم ضد الإنسانية، فالولايات المتحدة الأمريكية سبق لها الانسحاب من اليونسكو فى الأول من يناير عام ٢٠١٩، نتيجة لما وصفته آنذاك بالمواقف العدائية التى تتخذ فى إطار تلك المنظمة ضد إسرائيل، خاصة بعد أن صدر فى إطارها عدة قرارات تتعلق بانطباق اتفاقيات جنيف على كافة الأراضى الفلسطينية المحتلة، بما فى ذلك القدس الشرقية وباعتبار مدينة الخليل كموقع فلسطينى للتراث العالمى، ولم تكن إدارة الرئيس ترامب الأولى فى تقييد التعامل مع اليونسكو، إذ سبق لإدارة الرئيس أوباما فور منح العضوية لفلسطين فى المنظمة عام ٢٠١١ أن أوقفت سداد الحصة الأمريكية فى ميزانيتها، وذلك فى موقف مماثل لما اتخذته إدارة الرئيس جيرالد فورد عام ١٩٧٤ بتجميد الإسهام الأمريكى فى ميزانية المنظمة، عقب القرار الذى اتخذ فى إطارها بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية انسحبت أيضًا من مجلس حقوق الإنسان فى ١٩ يونيو عام ٢٠١٨، واتخذت إدارة الرئيس ترامب هذا القرار نتيجة لما وصفته بالمواقف العدائية المزمنة المتحيزة ضد إسرائيل التى يتم اتخاذها فى إطار المجلس، حيث وصفت السفيرة نيكى هيلى، المندوبة الدائمة الأمريكية لدى الأمم المتحدة آنذاك، مجلس حقوق الإنسان بأنه تحول إلى بؤرة للنفاق والتحيز السياسى ضد إسرائيل، مؤكدة على ضرورة حذف البند السابع المدرج سنويًا على جدول أعمال المجلس والمعنون بـ«انتهاكات حقوق الإنسان والآثار المترتبة على الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين والأراضى العربية المحتلة الأخرى» و«الحق فى تقرير المصير للشعب الفلسطينى»، وحتى مع إعلان إدارة الرئيس بايدن عن توجهها للعودة إلى عضوية هذا المجلس، فقد أكد وزير الخارجية بلينكن أنه من الضرورى حذف البند السابع الخاص بفلسطين المدرج سنويًا على جدول أعمال المجلس، كما صرح يوم ٤ مارس الماضى بأن الإدارة الأمريكيه تعارض قيام المحكمة الجنائية الدولية بتقصى الحقائق عن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فى تكرار لنفس الموقف الأمريكى من تقرير جولدستون الشهير الذى تضمن اتهامًا صريحًا لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب فى العمليات العسكرية التى شنتها على قطاع غزة، إذ تلتزم كافة الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالتمسك بموقف ثابت يقضى بالتصويت ضد أى قرارات من الأمم المتحدة، تتضمن إدانة أو حتى انتقادًا لإسرائيل؛ وفِى هذا الشأن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» ٤٢ مرة فى مجلس الأمن وامتنعت عن التصويت مرة واحدة على قرار مجلس الأمن ٢٣٣٤ الصادر فى ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦ والخاص بالمستوطنات، بعد أن تم تخفيف لغة القرار بصورة لا تجعله يحمل أى التزامات واجبة النفاذ.

كما سبق لدول الاتحاد الأوروبى (بالإضافة إلى بريطانيا) التصويت بالإجماع لصالح كافة قرارات مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة بشأن إنشاء لجان تقصٍ للحقائق للأمم المتحدة على مدى العقد الماضى - باستثناء تلك المتعلقة بإسرائيل - وهو الأمر الذى يمثل ثغرة كبرى فيما يقال عن التزام الاتحاد الأوروبى بمعايير الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان فى نسيج علاقاته الخارجية وباحترام معاهدة الاتحاد الأوروبى ذاتها وما تضمنته الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وخطة العمل الأوروبية لحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وما شمله نظام العقوبات الذى أقره الاتحاد الأوروبى مؤخرًا والمعروف بـEuropean Magnitsky Act على الدول التى تنتهك حقوق الإنسان، إذ يكفى أن نعود إلى كيفية تناول مواقف تلك الدول حيال لجنة تقصى الحقائق، شكّلها مجلس حقوق الإنسان، برئاسة القاضى الجنوب إفريقى ريتشارد جولدستون، للتحقيق فى دعاوى ارتكاب إسرائيل جرائم حرب فى غزة، حيث صوتت ضد التوصيات الواردة فى تقرير تلك اللجنة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والمجر وهولندا وسلوفاكيا وأوكرانيا، وامتنعت عن التصويت كل من بلجيكا والنرويج واليابان وكوريا الجنوبية وسلوفينيا، وتغيبت كل من بريطانيا وفرنسا فى سابقة خطيرة عن حضور جلسة التصويت.

وبعد أن تقاعست الديمقراطيات الغربية لسنوات عن اتخاذ موقف حازم من قانون يهودية الدولة، الذى أقره الكنيست الإسرائيلى فى ١٩ يوليو ٢٠١٨ والذى يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى، وتجاهلت الاتهام الذى وجهته منظمة العفو الدولية لإسرائيل فى فبراير الماضى بممارسة الفصل العنصرى ضد الفلسطينيين، فإن عليها الآن أن تواجه التحدى الذى يمثله عودة نتنياهو وتشكيله لحكومة تعد الأكثر يمينية وثيوقراطية فى تاريخ البلاد، خاصة بعد أن أعلن الائتلاف الحاكم الجديد أنه سيواصل توسيع المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، الأمر الذى يمكن أن يعمّق الانقسامات الداخلية ويحد من حقوق الأقليات ويفاقم الصراع مع الفلسطينيين، فعلى الرغم من قيام أكثر من ٣٠٠ حاخام أمريكى على رسالة تحذر من أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة يمكن أن تسبب «ضررًا لا يمكن إصلاحه» للعلاقات الإسرائيلية مع اليهود فى الشتات، حيث وصف الموقعون بعض سياسات الإدارة الإسرائيلية الجديدة بأنها «لعنة على مبادئ الديمقراطية»، واتهموا الحكومة بالتخطيط لتقويض حقوق النساء والمِثليات والمِثليين ومزدوجى الميول الجنسية والعابرين جنسيًا من الإسرائيليين، وضم الضفة الغربية المحتلة وجعل المحكمة الإسرائيلية العليا تابعة للبرلمان، وحتى بعد أن صرح وزير الخارجية الأمريكى بلينكن بأن الولايات المتحدة ستواصل «معارضة أى أعمال تقوّض بشكل لا لبس فيه آفاق حل الدولتين، بما فى ذلك التوسع الاستيطانى والتحركات نحو ضم الضفة الغربية».

من غير المتصور أن تسمح الديمقراطيات الغربية بصدور قرار من مجلس حقوق الإنسان أو من الجمعية العامة للأمم المتحدة، يتضمن حدًا أدنى من الإدانة لإسرائيل أو أن تقدم على فرض عقوبات على إسرائيل أو أن تحتجز نسبة من المساعدات التى تتحصل عليها أو أن تمتنع عن تصدير الأسلحة إليها، فالديمقراطيات الغربية لا تزال تركز على حالات دول بعينها ليس من بينها إسرائيل وما تمثله ممارساتها من انتهاك صارخ للقانون الدولى العام والإنسانى.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار