هل أمريكا اليوم دولة ديموقراطية، أم دينية؟! 

تابعنا على:   16:34 2025-03-12

توفيق أبو شومر

أمد/ أعاد لي الاجتماع بين منسوبي التيار المسيحاني الصهيوني في البيت الأبيض بالرئيس دونالد ترامب في الثامن من شهر فبراير عام 2025م تأثير هذا التيار الديني الأصولي على أمريكا في عهد الرئيس دونالد ترامب! كان المتحدثون الزائرون ينطقون باسم ثلاثة آلاف زعيم مسيحياني صهيوني، يمثلون عشرات الملايين ممن يؤمنون بوجوب نصرة إسرائيل لتتمكن من الانتصار على أعدائها، لكي يعود الماسيح المنتظر! قال المجتمعون لدونالد ترامب: "صوَّت التيار المسيحاني الصهيوني بنسبة 80% للحزب الجمهوري" 

طالبه هؤلاء المجتمعون بتنفيذ وعده بضم الضفة الغربية، لأنها أرض الميعاد المذكورة في الكتاب المقدس، من أجل إنهاء ما يسمى (حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية)! كما أن كل مسيحاني يساعد على إنجاز هذا الوعد مُباركٌ من الله!

قالت، إفرات ليفني الصحفية في صحيفة نيويورك تايمز يوم 8-3-2025م: "ندعو الرئيس، ترامب لإزالة كل العقبات التي تٌعيق الاعتراف بيهودا والسامرة واعتبارها جزءا من أرض الميعاد"!

قالت القسيس البارزة، تيري كوبلاند، قسيس كنيسة تكساس: "هناك ثلاثة ألاف قسيس مسيحاني صهيوني بارز يمثلون عشرات الملايين، سيرسلون لكم طلبا مكتوبا لكي تعطوا إسرائيل الحق في ضم، يهودا والسامرة"!

قال، فرانكلين براهام القس البارز في التيار المسيحاني الصهيوني مدير مؤسسة، Samaritans Purse الإيفانجيلية، وهو من أبرز المبشرين المسيحانيين في العالم، ومن أبرز مانحي المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل، قال بعد حرب الإبادة يوم 7-10-2025م: "إن الله اختار، دونالد ترامب لغرض منح إسرائيل الاعتراف بضمها الضفة الغربية، وإلغاء حل الدولتين"!

كذلك أشاد المجتمعون بالقسيسة، باولا وايت المشرفة على إعادة صياغة الرئيس، ترامب وجعله يؤمن بالمسيحانية الصهيونية، وهي أول رئيس لقسم لإيمان في البيت الأبيض، لأنها أجرت تغييرا في حياة الرئيس، ترامب الإيمانية!

وهي أيضا التي كان لها دور كبير في اختيار، مايك هوكابي سفير أمريكا في إسرائيل، لأنه من أبرز قساوسة التيار المسيحاني الصهيوني، وهو قد قال في آخر لقاء إعلامي له مع فضائية سي إن إن، عندما كان يشارك المسيحانيين الصهيونيين في القدس احتفالهم قال: "إن ضم الضفة الغربية لإسرائيل أمرٌ حتمي، ليس هناك ما يُسمى ضفة غربية أو احتلال، بل هناك يهودا والسامرة"

أما تعيين، ماركو روبيو وزيرا للخارجية الأمريكية فقد كان أيضا بسبب أن ماركو روبيو من أبرز المناصرين للتيار المسيحاني الصهيوني، على الرغم من أنه نشأ في أسرة كاثوليكية، وهو زعيم نظرية التهديد الصيني للعالم، هذه النظرية يؤمن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب! وقد عبر عن ذلك عندما قال: "بدون جهود حثيثة لهزيمة الصين، فإن العالم مقبل على فترة مظلمة"! لذا فإن الصين ترفض منحه تأشيرة دخول!

وماركو روبيو من مناصري إسرائيل أيضا، وهو الذي عارض القرار الدولي الصادر من مجلس الأمن 2334 الذي يدين الاستيطان، قال في بداية حرب التطهير العرقي في غزة: "لإسرائيل الحق مائة في المائة في محاربة الإرهابيين الوحوش في غزة"!

ماركو روبيو هو الذي رسم على جبهته علامة الصليب بالرماد يوم 6-3-2025م في لقائه مع وكالة فوكس نيوز بمناسبة أربعاء الصوم المسيحي، وهو بهذه الفعلة نقض شعار أمريكا التقليدي؛ (أمريكا دولة ديموقراطية تفصل الدين عن الدولة)!

كذلك فعل نائب الرئيس، جيمس ديفيد فانس، فإنه رسم الصليب على جسده عندما همَّ بالصعود للطائرة التي ستُقله لزيارة الحدود المكسيكية الأمريكية، وهو أيضا يؤمن بما يؤمن به، ماركو روبيو.

 كل تلك المؤشرات تؤكد أن أمريكا غادرت اسمها التقليدي (الدولة الديموقراطية) لتصبح في عهد الرئيس دونالد ترامب (الدولة المسيحانية الدينية السلفية)!

كل ما سبق أعادني إلى عصر المماليك في القرن الحادي عشر الميلادي، حين شنَّ الزعماءُ السلفيون الحروبَ الصليبية الطاحنة، وقد استغلوا جهالة وطغيان الحاكم بأمر الله، وجعلوه مهددا للحضارة المسيحية وشكلوا العصابات المسلحة باسم الحروب الصليبية بدعوى انقاذ المسيحيين من جرائم الحاكم بأمر الله، لأنه هدم كنيسة، الضريح المقدس في القدس، وأُشيع أنه نبش قبر المسيح، على الرغم من أن معظم المؤمنين يعتقدون بأن المسيح ليس له قبر، فهو لم يمت، بل صعد إلى السماء، لذلك شن المتطرفون المسيحانيون الحروب الصليبية التي غيرت خريطة المنطقة بأسرها!

مع العلم أن دارسي التاريخ في العصر المملوكي، يؤمنون بأن الخلفاء المسلمين منحوا اليهود والمسيحيين مناصب رفيعة في دولة المسلمين، وسأظل أتذكر أن الخليفة المملوكي، المستنصر بالله ولد لأم يُقال إنها يهودية ثم أسلمت، وأن تاجرا يهوديا مقربا من الأمير هو، أبو سعيد التستري أهدى هذه الجارية لوالد الأمير، فولدت له ابنه المستنصر بالله عام 1065م، وأن هذا التاجر كان من أشهر تجار الأثار في العالم أجمع، كذلك عيَّن المستنصرُ اليهوديَ، صدقة بن يوسف وزيرا للمالية في دولة المماليك، وهذا بالنسبة للباحثين في تاريخ المماليك كان مصدر فخر،ٍ يشير إلى أن حكام مصر المسلمين لم يكونوا يفرقون بين الأديان، إلا أن أحد الشعراء  وهو الحسن بن خاقان قال محتجا على ذلك:

يهودُ هذا الزمان قد بلغوا..غايةَ آمالِهم وقد ملكوا

العزُّ فيهم، والمالُ عندهمُ.. ومنهم المستشارُ والملكُ

 يا أهلَ مصرَ إنِّي ناصحٌ لكمُ..تهودوا فقد تهوَّد الفلكُ

هذه الأبيات الشعرية نُسبت أيضا لابن البواب، وأِشار مؤرخون آخرون إلى أنها مجهولة النسب!

--

اخر الأخبار