بايدن جاء ليعطي في تل أبيب وليأخذ في جدّة
تاريخ النشر : 2022-07-14 08:04

حرص مساعدو الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على التأكيد بأن هدف زيارته الى الشرق الأوسط، هو قبل أي شيء آخر التأكيد على التزامه الشخصي الخاص والسياسي العام بدعم إسرائيل والالتزام بالحفاظ على أمنها وعلى مكانتها في المنطقة والعالم. وبالرغم من أن قمة جدة أضحت الحدث المركزي في زيارته للشرق الأوسط، فإن لزيارته لإسرائيل أهمية خاصة نظرا للقضايا التي ستطرح في اجتماعاته واجتماعات الطواقم المرافقة له مع القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية. ولعل الأمر الأبرز في هذه الزيارة هو تغييب القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق، وزيارة بيت لحم والقدس الشرقية وتصريحه في المطار عن حل الدولتين لا تتعدى كونها ضريبة كلامية للتعويض عن التهميش الكامل لقضية الصراع المركزية في المنطقة.
بداية ومنذ أشهر طويلة جرى التحضير لزيارة بايدن لإسرائيل وحدها، وبعد التطورات الإقليمية والدولية اللاحقة، أضيفت إلى جولته زيارة للمملكة العربية السعودية، التي تحولت إلى مؤتمر قمة إقليمي بمشاركة كافة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق. وستشارك إسرائيل في قمة جدة، حتى لو غابت عنها، وذلك عبر ما سيحمله الوفد الأمريكي معه من مواقف أمريكية متأسرلة، ومن خلال المواقف والمطالب ووجهات النظر الإسرائيلية، التي جرى تمريرها بالاتصالات المباشرة مع معظم الدول العربية المشاركة في القمة.
عين لإسرائيل على جدة، فهي ترى أن ما يجري في قمـتها مهم بالنسبة لأمنها ودورها في المنطقة. وكلتا عينيها على زيارة بايدن لإسرائيل، حيث العلاقة بالولايات المتحدة هي حجر الزاوية في الحفاظ على وجودها وعلى أمنها ومكانتها في المنطقة والعالم. لقد اعتادت القيادات والأبواق الإسرائيلية على وصف كل رئيس أمريكي بأنه «الرئيس الأكثر صداقة لإسرائيل»، وهكذا قيل عن ريغان وبوش وكلينتون وأوباما وترامب. ولكن يبدو أن جو بايدن يتفوق عليهم جميعا في ارتكاب خطيئة صداقة كيان الاحتلال والاضطهاد، فرصيده في دعم إسرائيل يمتد نصف قرن، بداية كعضو كونغرس منذ عام 1973، مرورا بمنصبه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية وكنائب للرئيس في عهد أوباما، وصولا الى منصبه الحالي.

الأمر الأبرز في الزيارة تغييب القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق، وزيارة بيت لحم والقدس الشرقية لا تتعدى كونها ضريبة كلامية للتعويض عن التهميش الكامل لقضية الصراع المركزية

إسرائيل تعرف جو بايدن جيدا وجربته عبر عقود طويلة، وهو أيضا ليس بحاجة لدليل عن إسرائيل، فقد التقى حتى الآن عشرة رؤساء وزراء إسرائيليين، بدءا بغولدا مئير، وبعدها إسحاق رابين ومناحيم بيغن وإسحاق شامير وشمعون بيريس وبنيامين نتنياهو وإيهود براك وأريئيل شارون وإيهود أولمرت ونفتالي بينيت، ولقاؤه الحادي عشر هو مع رئيس الوزراء الجديد، يئير لبيد. وليس هناك سياسي في الولايات المتحدة لديه هذه التجربة في الاتصال بالقيادات الإسرائيلية. ويقول العارفون بشؤون الرئاسة الأمريكية أن جو بايدن هو أكثر الرؤساء اطلاعا على التفاصيل الإسرائيلية.
في التحضير لزيارة بايدن، تردد طرح مفهوم «الوزن» كأساس للتعامل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك بين إسرائيل وحلفائها العرب، ومعنى هذا المفهوم هو القيمة الأمنية الكامنة والقابلة للتفعيل، أو الذخر الاستراتيجي. واقترح الجنرال ايزنكوت، رئيس الأركان السابق ومؤلف الوثيقة الأمنية المركزية «استراتيجية الجيش الإسرائيلي»، إضافة مفهوم «الوزن» كمفهوم خامس للأمن الإسرائيلي إضافة إلى الأربعة القائمة: ردع، إنذار، دفاع، حسم. وقال في مداخلة له خلال ندوة نظمها «معهد دراسات الأمن الإسرائيلي» هذا الأسبوع على شرف زيارة بايدن بأن على حلفاء إسرائيل أن يعرفوا ويعوا ويقروا بأنها دولة لها وزن وبأنها ذخر أمني واستراتيجي، مستعرضا ما قامت به إسرائيل في العقود الأخيرة لمنع دول المنطقة من امتلاك أسلحة نووية (طبعا ليس إسرائيل)، وملمحا لدور إسرائيلي خفي في الحرب على تنظيم «الدولة» (داعش). وخلص أيزنكوت الى القول بأن إسرائيل تستفيد كثيرا من الدعم الأمريكي، لكنها أيضا «ذخر» وتلعب دورا مركزيا في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة. وهذا كلام تردده القيادات الإسرائيلية بكثرة في الآونة الأخيرة، للتأكيد على ما يسمى «الاستفادة المتبادلة» كأساس للعلاقة مع الولايات المتحدة.
العلاقات الإسرائيلية الأمريكية هي أبعد ما يكون عن التكافؤ. يكفي أن نتخيل ما الذي يحدث للولايات المتحدة إن هي تخلت عن إسرائيل أو إن تخلت إسرائيل عنها، مقارنة بالذي سيحدث إن تخلت الولايات المتحدة عن إسرائيل؟ الولايات المتحدة بالطبع ليست بحاجة ماسة لإسرائيل، ولكن العلاقة بأمريكا بالنسبة لإسرائيل هي ضرورة وجودية. المطالب الأمريكية من إسرائيل تكون عادة قليلة ومتواضعة، ولكن مطالب إسرائيل مختلفة تماما.
ويستدل من التصريحات والتسريبات الصحافية ومن التحليلات وأوراق «تقدير الموقف»، التي نشرتها مجموعات التفكير ومعاهد الدراسات الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية، أن المطالب والقضايا، المطروحة في زيارة بايدن لإسرائيل كثيرة العدد وكبيرة الحجم، ويقع بعضها في محور لقاءات بايدن بالقيادات الإسرائيلية، والبعض الآخر هو من اختصاص المؤسسات وطواقم العمل المختلفة. ولكنها كلها بحاجة الى قرار سياسي أمريكي لتخرج الى حيز التنفيذ، وعادة ما تستجيب الإدارة الأمريكية لما تطلب إسرائيل، وإن كان رفض نادرا ما يثبت طويلا.
ما المطالب الإسرائيلية من بايدن؟ الملف الإيراني يقض مضاجع إسرائيل، وهي متفقة مع الولايات المتحدة في تقييم الوضع القائم بالنسبة لقدرات إيران النووية ومشاريعها العسكرية، وكذلك هما متفقتان حول الهدف وهو منع إيران من امتلاك سلاح نووي وعلى فرض قيود عليها بكل ما يخص تطوير الصواريخ والمسيرات الهجومية والحصول على أسلحة دفاع جوي فعالة. ما تريده إسرائيل من الولايات المتحدة هو الانتقال من مرحلة التنسيق إلى التخطيط المشترك ضد إيران، وترجمة الالتزامات المعلنة الى استراتيجية عمل وأفعال عينية.
تطلب إسرائيل من الإدارة الأمريكية تبني تفسير قانون «الحفاظ على التفوق الإسرائيلي»، على اعتبار أنه يشمل محيطا أوسع والأهم من ذلك على أنه ليس تفوقا على ما هو موجود من أسلحة بحوزة كل الدول العربية إضافة الى إيران، بل على ما سيكون وحتى على ما قد يكون. وتدعي إسرائيل بأنها بحاجة الى أسلحة كثيرة في حال جرى التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، بادعاء أن هذا سيؤدي إلى رفع العقوبات وضخ أموال ضخمة الى الميزانية العسكرية الإيرانية. وأما في حال عدم التوصل إلى اتفاق فإسرائيل تطالب بالمزيد من الأسلحة. وباختصار إسرائيل تسعى الى زيادة دراماتيكية في المساعدات العسكرية الأمريكية، وبضمنها دعم مشاريع تطوير أسلحة الليزر الإسرائيلية بتمويل أمريكي وعربي، وفور هبوط طائرته في مطار اللد، لمح بايدن عن استعداده لتقديم مثل هذا الدعم.
تمارس إسرائيل ضغطا على الإدارة الأمريكية للإيفاء بالتزامها بالعمل على توسيع دائرة التطبيع الرسمي والمعلن لتشمل في المرحلة المقبلة إندونيسيا وباكستان والسعودية وعمان وقطر والصومال.
تريد إسرائيل من إدارة بايدن أن تعمل على توسيع وتعميق التنسيق العسكري الإقليمي ضد إيران تحت سقف المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي (سنتكوم)، وأن تدعم نظام الدفاع الجوي المشترك، في ظل تعاظم ما تسميه بالتهديد الإيراني بالصواريخ والمسيرات الهجومية. إسرائيل تعمل على أن تكون اللاعب المركزي في هذا السياق.
ترى إسرائيل بعين الرضى ما تقوم به، وبالأخص ما لا تقوم به إدارة بايدن في الشأن الفلسطيني. فهذه الإدارة هي الأولى التي لم تعين مندوبا خاصا لـ «السلام في الشرق الأوسط»، وهي لا تسعى للمفاوضات، ولم تغير قرارات ترامب بشأن الاعتراف بشرعية المستوطنات ونقل السفارة الى القدس والاعتراف بها عاصمة لفلسطين. ما تريده إسرائيل من بايدن هو أن تلعب الولايات المتحدة دورا مركزيا في ترتيب مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس وأن تستمر في التجاوب مع المسعى الإسرائيلي لتهميش قضية فلسطين. تطلب إسرائيل عمليا منحها حق «فيتو» على بيع أسلحة متطورة للعرب، بما في ذلك حلفاؤها، بادعاء ضمان الحفاظ على تفوقها المطلق. تطالب إسرائيل الولايات المتحدة بوقف الانزياح العربي الزاحف نحو الصين وروسيا، وترى في أي خروج عربي عن الفلك الأمريكي خطرا استراتيجيا عليها. تطرح إسرائيل بقلق بالغ مسألة الحديث عن الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وهي تريد من الأمريكان أن يبقوا قواتهم وتواجدهم العسكري في الخليج والعراق وسوريا. تسعى إسرائيل الى الاتفاق مع الولايات المتحدة وأوروبا لفرض رقابة على المشروع النووي السعودي، وهي تخشى من انفلات نووي في المنطقة إذا حصلت إيران فعلا على أسلحة نووية.
تطالب إسرائيل الولايات المتحدة أن تكون هي المزود الأهم للأسلحة لدول المنطقة، حتى تبقى الأمور تحت الرقابة. ولكن وفي حال حصلت دول عربية على أسلحة من مصادر ليست غربية، فالمطلوب من الولايات المتحدة أن تفتح بابا لإسرائيل للتعرف على هذه الأسلحة بادعاء أنها موجودة عند «الأعداء» أيضا.
تطرح إسرائيل على الأمريكان خشيتها من الازدياد الدراماتيكي في تسلح الجيش المصري، حيث ضاعفت مصر في السنوات الأخيرة ما تستورده من أسلحة، وغيرت مصادرها: 41% من روسيا، 21% فرنسا، 15% إيطاليا، 11% ألمانيا والولايات المتحدة في المكان الخامس فقط بنسبة 7% من مجمل استيراد الأسلحة المصري. إسرائيل قلقة مما يجري في الجيش المصري، وترى فيه تهديدا استراتيجيا محتملا.
زيارة بايدن لإسرائيل تدور حول القضايا الأمنية، ومشاركته في قمة جدة تتمحور حول الاقتصاد والأمن. وبغض النظر عن التفاصيل يأتي بايدن الى تل أبيب ليعطي ويحضر إلى جدة ليأخذ.