ما الحل ، لحقن دماء سكان قطاع غزة في المستقبل؟
تاريخ النشر : 2022-08-09 17:27

مع انتهاء جولة التصعيد القصيرة التي استمرت لمدة 3 أيام بدءً من تاريخ 5\8\2022 ، بين حركة الجهاد الإسلامي و الجيش الإسرائيلي ، و التي أطلق عليها الاحتلال الإسرائيلي مسمى عملية " الفجر الصادق " ، و أدت للأسف إلي سقوط عدد كبير من الشهداء و الجرحى في صفوف الشعب الفلسطيني بقطاع غزة ، إضافة الي التسبب بحالة كبيرة من الرعب و الذعر لأطفال غزة بسبب صوت القصف الإسرائيلي ، و سببت أيضاً حالة من القلق و التوتر لمعظم سكان القطاع ، جراء الخوف الشديد على حياتهم وحياة أطفالهم في ظل انقطاع الكهرباء ، و الحر الشديد ، و استرجاع الذكريات الأليمة لتصعيد مايو 2021 ، الذي قضى على أهم معالم شوارع قطاع غزة الرئيسية ، ودمر أبراج سكنية بأكملها ، وشرد أعداد كبيرة من العائلات.
تساءل البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هل كُتب القتال على سكان قطاع غزة كل فترة زمنية و أخرى ، فحتى الآن لم يتم إعادة إعمار عدد كبير من البيوت التي تدمرت خلال تصعيد مايو 2021 ، ومازال أصحابها يقطنون بشقق مؤقته بالايجار، فما بال أن يتورط القطاع بجولة جديدة من التصعيد العسكري قبل ترميم جروح تصعيد مايو 2021.
للرد على هذا التساؤل لابد من التذكير أولاً ، أن هذه الجولة الجديدة من القتال بين حركة الجهاد الاسلامي و الاحتلال الاسرائيلي، لم تبدأها الجهاد الاسلامي ، بل فُرضت عليها من قبل الجيش الإسرائيلي الذي قام بضربة استباقية ، استهدفت القادة العسكريين للجهاد الإسلامي ، مما أدى ذلك لرد الجهاد الإسلامي على اسرائيل ، عبر إطلاق الصواريخ من غزة للانتقام و الثأر لاستشهاد أبرز قادة الجهاد الإسلامي العسكريين ، و ذلك تحت مسمى معركة وحدة الساحات ، كرسالة للاحتلال الإسرائيلي أن الهم الوطني واحد ، و لا يمكن الفصل بين ما يحدث بالضفة الغربية من اعتقالات إسرائيلية ضد المقاومين الفلسطينيين ، وما يحدث في غزة من مقاومة مسلحة ضد الجيش الإسرائيلي.
لذا معظم المواطنوان الفلسطينيون يعلمون جيداً ، أن إسرائيل هي من بدأت الحرب ، و الهجوم على القطاع، و ليس أي فصيل فلسطيني ، وهذا ما جعل عدد كبير من سكان القطاع يتعاطفون مع حركة الجهاد الإسلامي التي شعرت بألم الغدر الإسرائيلي.
لكن ما أريد أن أطرحه هنا ، هو موضوع أخر، لا يتعلق بمن بدء المعركة أم لا ؟ أو من فاز بالمعركة أم لا ؟
ما أريد أن أطرحه هنا في هذا المقال ، هو ضرورة البحث عن حلول جذرية لسكان قطاع غزة ، تضمن لهم العيش بكرامة دون سفك دمائهم و استشهاد أطفالهم و إصابة نسائهم و شيوخهم بجراح الحرب ، و دمار منازلهم و سبل عيشهم.
حيث يجب التعامل مع قطاع غزة من وجهة نظر أخرى ، ليست عسكرية و لا حتى انسانية ، يجب أن يتم التعامل مع قطاع غزة، و سكانه كجزء من الحل النهائي للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، و كشعب يستحق الحياة ، يتم توظيفه لبناء الدولة الفلسطينية المستقبلية على حدود 1967 ، و ليس التعامل معه فقط كمجرد أدة لإدارة الصراع و المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي ، أو قربان للحروب التي يتم شنها من حين لأخر.
ولإخراج قطاع غزة و سكانه من قوقعة الحروب و الدمار ، لابد من اعتماد استراتجية وطنية عملية لإنهاء الانقسام الفلسطيني، و التعامل مع سكان قطاع غزة بصفتهم شركاء في بناء الوطن مع إخوانهم في الضفة الغربية و القدس ، و ليس بصفتهم محكومين يتلقون مساعدات انسانية من حين لأخر ، أو موظفين عاطلين عن العمل يتلقون رواتبهم من السلطة الفلسطينية كالتزام اداري من السلطة تجاهم .
يجب أن يتم أيضا التخلص من روح تضخيم الذات و القدرات الفلسطينية عند بعض الفصائل الفلسطينية ، و العمل على تقييم ذاتي للفصائل الفلسطينية لمعرفة نقاط الضعف و القوة لديهم ، دون الانفصال عن الواقع الشعبي، و دون استخدام لغة الشعارات و الوعود الرنانة ، و دون أيضاً توريط سكان قطاع غزة في حروب مدمرة أكبر من طاقتهم البشرية ، تحت أوهام البطولة الخيالية المذكورة في قصص وروايات العصور الوسطى .
إن سكان قطاع غزة ،هم في النهاية بشر عاديين ،وليسوا أنبياء أصحاب معجزات ، أو ربورتات ألية يتم التحكم بها عن بعد ، فهم بشر لهم طاقة تحمل محدودة للصمود في ظل هذه الحروب المدمرة التي لا تقوى عليها الجبال ، والتي بالتأكيد ستغير في المستقبل من الجينات النفسيه للأجيال القادمة من سكان قطاع غزة ، فنحن بكل بساطه لا نريد أن يتحول قطاع غزة في المستقبل ، لمصحة للأمراض النفسية و العقلية بسبب سوء تقدير قيادة الفصائل الفلسطينية لمدى قدرة تحمل النساء و الأطفال و الشباب و الكهول و الشيوخ في القطاع ، لويلات الحروب و الدمار و ألام فقدان الأحباب و الأعزاء.
لابد النظر إلي سكان قطاع غزة كمدنيين بالدرجة الأولى ، و كبشر من دم و لحم مثلهم مثل أي مواطن فلسطيني في المحافظات الأخرى بالوطن ، و ليس كأناس مطلوب منهم وحدهم دفع ضريبة الوطن من دمهم ، ومن دم أبناءهم ، للدفاع عن كل الوطن لوحدهم ، ونيابة عن الجميع!
وأخيرا ، يمكن القول أن الحل النهائي الذي يمكن اعتماده لحقن دماء شعب قطاع غزة في المستقبل، و لابعاد شبح الحرب و الموت مرة أخرى عن القطاع ، هو العمل على تبني طرق حل الصراع السلمية ، عبر استخدام أدوات المقاومة السلمية و القانون الدولي و المفاوضات الشفافة و المهنية و التي تضمن للشعب الفلسطيني الاطلاع على أسباب فشل المفاوضين الفلسطينين في الماضي، و الاستفادة من الدروس السابقة للوصول لحل سلمي نهائي للقضية الفلسطينية ، مع إتاحة المجال للشعب الفلسطيني بأن يكون شاهدا على ما يحدث داخل أروقة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية ، لتقييم أداء فريق المفاوضات الفلسطينية ، ومدى مهنيتهم في التفاوض ، بدلا من التسبب بإحباط الشعب الفلسطيني في كل مرة عبر نشر أخبار سلبية عن فشل مفاوضات السلام ، و عدم الوصول لحل نهائي للصراع دون التسبب بخسائر بشرية ، أم مادية في صفوف المدنيين.
الحل هو أيضاً ، الترويج لثقافة الأمل و البناء و التطوير الإيجابي ، و عدم الترويج لأدوات الهدم و الدمار، والصراعات الداخلية و عدم بث روح الفتنة و الشقاق بين أبناء الوطن الواحد.
الحل هو السماح بكل بساطه للشعب الفلسطيني، بأن يمارس بكل حرية حقه الديمقراطي لانتخاب قادة الأمل ، الذين يستطيعون طرح حلول عملية و ذكية لمشاكل قطاع غزة الانسانية و الاجتماعية و الاقتصادية و الصحية ، و الذين يستطيعون مد يد المساعدة لشعبهم ، لكي يكونوا جزءً أساسياً من عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية الموحدة ، بدلا من إقحام سكان القطاع في أتون الصراعات الداخلية و الحروب المدمرة.
الحل هو أن نعيش من أجل الوطن لنبنيه حجرا حجرا، وأن لا نستسلم للموت، كقربان يٌقدم في كل مرة على مذبح الحرب.