الحوار الوطني مغزاه.. والمشاركة  والأهداف
تاريخ النشر : 2022-10-06 12:21

اعتدت في كتاباتي السابقة التركيز بشكل كبير علي العلاقات الخارجية والأوضاع الدولية والأمن القومي ، باعتبارهم المجالات التي لي فيها قدر من الخبرة والتجربة والتخصص، والتزمت فيما ينشر بقلمي خارج مصر الا اتناول الاوضاع الداخلية المصرية ، او الخاصة بأي دولة، وكان الاستثناء عن ذلك الوضع الفلسطيني، للارتباط الوثيق بين الأهداف الوطنية لاقامة الدولة  والترتيبات بين الفصائل الفلسطينية، وكان الاستثناء أو التجاوز الاخر يخص الأوضاع الداخلية الامريكية، لانها سمحت لنفسها التعليق واحيانا التدخل في الشؤون الداخلية لمصر ودول أخرى ، و عانيت شخصيا من ذلك مباشرة خلال تمثيلي لمصر سفيرا بواشنطن من ١٩٩٩-٢٠٠٨.

ويسعدني اليوم بدء الإسهام ببعض المقالات في "المصري اليوم"، وسيكون ذلك خروجا عن المعتاد بملاحظات  حول قضية داخلية وهي الحوار الوطني ، لأهمية الموضوع وباعتبارها فرصة لتنشيط العمل والإسهام بين أصحاب الرأي والمعرفة ،اصحاب الطموح والعزيمة الوطنية لمشاركة المجتمع في بناء مستقبل أفضل ، وهو الهدف المنشود والجامع بين ثورتي ٢٥ يناير ٢٠١١ و ٣٠ يونيو ٢٠١٣ .

وبادئ ذي بدء لا  ابالغ او اجامل في القول أنه من الملائم حقا ان نسعي لبناء جمهورية جديدة ،بل إن الإسهام في ذلك مسؤولية وواجب لكل مواطن غيور على وطنه ،جمهورية مدنية وسطية جامعة لكل من يحترم  ويحافظ على الهوية المصرية،جمهورية فلسفتها مطروحة في  دستورا يحترم ويحدد الحقوق والمسؤوليات جمعا وفردا  ،جمهورية حصانتها  قانون عادل وناجز يتسق مع الدستور ويطبق على الجميع  دون تمييز او استثناء

ومن متابعتي لما كتب او اعلن عن الحوار الوطني وجدت تركيز خاص على كيفية تحديد الاهداف المرجوة منه و المشاركين فيه،كما  ولاحظت تكرار التنويه ان الحوار يجب ألا يكون "مكلمة"، وأن الغرض منه طرح أفكار محددة ترفع لرئيس الجمهورية للبت في تحويلها للمؤسسات التنفيذية او التشريعية ، وتابعت إشارات متكررة إلى اهمية احترام الدستور القائم، بل وجعل ذلك شرطا للمشاركة في الحوار المقترح ،ولعله من المناسب الإسهام بملاحظاتي بدءا من النقاط العامة الي الاكثر تحديدا .

ان المبادرة التي طرحها السيد رئيس الجمهورية  عنوانها "حوار وطني"،ومن ثم يجب أن تشمل قضايا كبرى مثل طبيعة النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية ،وعلى سبيل المثال هل نكون نظام رئاسي او برلماني وكيف ، وهل تبني نظام اقتصاد السوق كلية ام نحافظ علي فلسفة اشتراكية او اجتماعية في بعض جوانبه، وما هو دور الدولة في توفير الخدمات والضمانات الاجتماعية منها على سبيل المثال في الرعاية الصحية والتعليم ،فضلا عن سياستنا الخارجية ومنطقتنا في مرحلة حساسة يتم فيها اعادة تشكيل الشرق الاوسط باكمله، ويعني كل ذلك  تناول قضايا قد يكون قد تم الاشارة اليها في الدستور ،وضرورة ان يفتح  المجال للنقاشات عامة، وبقدر عدم ارتياحي للتعديل المتكرر والسريع للدستور باعتبارها الوثيقة الحاكمة للبلاد ، فلا أرى غلق الباب حول مثل تلك الحوارات العامة ،او تحصين الدستور من أي تعديلات قد تقترح نتيجة للحوار الوطني 

هذا وتابعت إشارات الاخ الفاضل  ضياء الدين رشوان الذي يشرف علي هذا المشروع ،ومن ضمنها انه لن توجه دعوات لأحد للمشاركة في الحوار ، أي لا توجد لجان وورش عمل مغلقة على عدد محدود من المشاركين او علي افكار بعينها  ،وهذا طرح جيد، وأوضح في هذا السياق ان الكل مدعوا للإسهام عدا من تلطخ يديه بالدماء، وهو تحفظ يعكس ان ظروف المصالحة بين الشعب والاخوان المسلمين وحلفائهم لم تتحقق بعد من الجانبين ،وإنما ما يهمني بالنسبة لقضية المشاركة أن تتابع وتهتم  اللجان المعنية بما  يكتب أو يصرح به في وسائل الإعلام حول محاور الحوار المجتمعي  ،لأن الجدل والنقاش الوطني بدأ بالفعل ويتناول قضايا وآراء هامة تعكس توجهات مشروعة في الساحة الوطنية.

أما بالنسبة للهدف من الحوار فتقضي الأمانة والصراحة مني الاعلان انني لا اتفق مع من يرون أن تقتصر خلاصته على اقتراحات محددة تنفيذية او تشريعية، فذلك مهمة الوزارات والاجهزة التشريعية ومؤتمرات تعقد حول قضايا محددة مثل الاستثمار ، أو التأمين ضد مخاطر الحرب السيبيرية او توسيع الرقعة الزراعية …الخ.

بل ارى ان الاهداف المنشودة تتلخص في صياغة "العقد  الاجتماعي " بين الجهات التنفيذية والمواطن ، وتأمين أداء فعال للمؤسسات الوطنية الرسمية والخاصة، تضمن حسن الأداء والاستجابة الرشيدة لتطلعات وطموحات الشعب،،ويعني ذلك  طرح فلسفة حكم على المواطنين تشمل حقوقهم ومسؤولياتهم ،ومسؤولية  الدولة أو من في مناصب قيادية في مؤسسات خاصة تجاههم ،ويجب ان يكون هذا العقد محل حوار وتشاور مكثف إلى أن تتوافق فئات الشعب او أغلبها .

والغرض  من ذلك تقويم ورفع اداء  المؤسسات الوطنية الحكوميةوالخاصة ،من خلال الشفافية في تداول  المعلومات احتراما لفلسفة المسؤلية والمصلحة المشتركة، والمحاسبة الموضوعية الكاشفة  رفع كفاءة الأداء وبناء الثقة والانتماء، وتداول السلطة  لضمان توافر الأفكار المتجددة والابتكار على مختلف مستويات في مؤسساتنا الحكومية او الخاصة.

واتمني ان نشهد حوارا وطنيا ثريا يتناول القضايا العامة الهامة بعيدا عن المهاترة والمزايدة ،ويتناول فلسفة الدولة ويتضمن  بعض الاقتراحات المحددة ، عل أن أن تكون محصنة بهذه الصفات والشروط تحقيقا للهدف المنشود، وهو إعادة بناء مصر المتجددة الثرية العادلة والحاضنة لكل محبي الوطن