وثيقة - نص قرار محكمة العدل الدولية ضد الجدار العنصري
تاريخ النشر : 2022-11-13 09:07

جنيف: بتاريخ 9/7/2004م، نشرت محكمة العدل الدولية ( ومقرها في لاهاي)، رأياً استشارياً حول قضية قانونية الجدار؛ تلبية لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3/12/2003م.

ورفضت إسرائيل التعاون مع هذا الرأي؛ مدعية عدم وجود صلاحية للمحكمة للبحث في هذه القضية، وزاعمة أن اطار بحث هذه القضية هو العلاقات الثنائية ما بينها وبين الفلسطينيين.

 وقد ردّت المحكمة ،بأغلبية الأصوات، إدعاء اسرائيل عدم صلاحية بحث هذه القضية في المحكمة. وتوصل أحد القضاة، من أصحاب رأي الأقلية، إلى استنتاج مفاده أن المحكمة لا تملك المعلومات الكافية من أجل بلورة رأيها حول القضية، ولهذا؛ فإن المحكمة لا تملك الصلاحية لبحث القضية، وأوضحت المحكمة قبل بحث الأمر، أن رأيها يقتصر فقط على المقاطع الخاصة من الجدار الفاصل، التي تم أقيمت أو سيتم إقامتها وراء الخط الأخضر.

إن الجانب الأول والمركزي الذي يتعاطى معه الرأي الاستشاري، هو تبعات وآثار الجدار الفاصل على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وفي هذا السياق (سجلت) المحكمة الوعد الذي قطعته إسرائيل في استعمال الجدار الفاصل كوسيلة أمنية مؤقتة، ومع هذا فقد أشارت المحكمة إلى وجود مخاوف كبيرة؛ من أن يؤدي مسار الجدار الفاصل، إلى إيجاد (حقائق على الأرض)، تؤدي إلى الضم الفعلي للمساحات والأراضي؛ مما يؤدي إلى التأثير على الحدود المستقبلية ما بين إسرائيل والدولة الفلسطينية، وترى محكمة العدل الدولية أن الضم الفعلي لأجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل يشكل خرقا لحق تقرير المصير.

أما الناحية الأخرى التي تناولها الرأي الاستشاري، فقد كانت قانونية الجدار الفاصل استنادا إلى القانون الإنساني الدولي، وفي البداية ردت محكمة العدل الدولية ادعاء إسرائيل بأن وثيقة جنيف الرابعة لا تسري على المناطق الفلسطينية، إذ لم تكن الضفة الغربية وقطاع غزة مرة من المرات جزءاً من دولة ذات سيادة، وفي هذا السياق حددت المحكمة أنه: نظراً لكون المناطق الفلسطينية سقطت في أيدي إسرائيل نتيجة لحرب مع دولتين موقعتين على الوثيقة، فإنه يتوجب أن تتفق سيطرة إسرائيل على المناطق الفلسطينية مع وثيقة جنيف.

ووجدت المحكمة أن بناء الجدار الفاصل يهدف إلى خدمة المشاريع الاستيطانية، التي تشكل خرقاً للبند 49 من الوثيقة، كما أشارت المحكمة إلى أن القيود على السكان الذين تبقوا ما بين الجدار الفاصل وبين الخط الأخضر، قد يؤدي إلى رحيلهم، وهذا أيضاً مخالف لنفس البند من الوثيقة، فضلاً عن ذلك، كما قرر الرأي الاستشاري، أن السيطرة على الأراضي الخاصة والمرتبطة بإقامة الجدار الفاصل، يشكل مساً بالأملاك الشخصية؛ مما يعدّ خرقاً للبنود 46 و- 52 من لوائح (هاج) للعام 1907م، والبند 53 من وثيقة جنيف الرابعة.

أما الناحية الثالثة من الرأي الاستشاري، فإنها تتعلق بقانونية الجدار الفاصل، على ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي هذا السياق، حددت المحكمة بصورة جازمة،"بخلاف رأي إسرائيل"، أن هذا القانون يسري بأكمله على الأراضي المحتلة، وترى محكمة العدل الدولية أن الجدار الفاصل، يمس مختلف الحقوق المقننة في الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت إسرائيل عليها، وهي: الحق في حرية الحركة، الحق في عدم التدخل في خصوصية البيت والعائلة، والمقننة في البنود 12 و- 17 من الميثاق الدولي بخصوص الحقوق المدنية والسياسية، أما حقوق العمل، والحق في مستوى حياة لائق، الحق في الصحة والتعليم، وهي مقننة في البنود 6، 11، 12 و- 13 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والحضارية.

تجدر الإشارة إلى أن الرأي الاستشاري يتناول بصورة مقتضبة، ذريعة إسرائيل الأمنية التي تنتهك بها بهذه الحقوق، طبقا للقانون الدولي. وقد أشارت محكمة العدل الدولية إلى أنه من حق إسرائيل، ومن واجبها، حماية مواطنيها من أعمال العنف؛ غير أنه يتوجب أن تتفق وسائل الحماية التي يتم استعمالها، مع تعليمات القانون الدولي.

 إن عدم اتساع المداولة بخصوص المبررات الأمنية المحتملة لمسار الجدار الفاصل، ينبع من ضمن ما ينبع، من رفض إسرائيل عرض مبرراتها أمام محكمة العدل الدولية، وقرارها الاكتفاء ببلاغ خطي حول عدم وجود الصلاحية للمحكمة.

 وجاء في الاستنتاجات الخاصة بالرأي الاستشاري، أنه يتوجب على إسرائيل التوقف عن إقامة الجدار الفاصل، وتفكيك أجزائه التي تمت إقامتها في الضفة الغربية، وإلغاء الأوامر التي صدرت بخصوص إقامته وتعويض الفلسطينيين الذين تضرروا جراء ذلك. كذلك ناشدت محكمة العدل الدولية المجتمع الدولي، الامتناع عن مساعدة إسرائيل في حالة استمرار الوضع غير القانوني الذي نشأ في أعقاب إقامة الجدار الفاصل، واتخاذ الوسائل القانونية من أجل إيقاف الخروقات الإسرائيلية، وضمان تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة.

نص قرار محكمة العدل الدولية ضد الجدار العنصري

ترجمة غير رسمية لنص قرار محكمة العدل الدولية بشأن جدار الفصل

في ما يلي القرار الذي صدر عن محكمة العدل الدولية في شأن جدار الفصل العنصري الذي يقيمه الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويحدد فيه التبعات القانونية لبناء الجدار، والتبعات القانونية لإخلال (إسرائيل) بالتزاماتها.

وهنا النص الكامل للقرار محكمة العدل الدولية 9 يوليو / تموز 2004

القائمة العامة رقم (131)

 التبعات القانونية لبناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الاختصاص القضائي للمحكمة؛ لإعطاء الرأي الاستشاري المطلوب.
المادة 65 الفقرة 1 من القانون، المادة 96 الفقرة 1 من الميثاق: سلطة الجمعية العامة لطلب آراء استشارية، تعدّ من ضمن نشاطات الجمعية.
الأحداث التي أدت إلى تبني الجمعية العامة القرار" ئي اس 10/14"، الخاص بطلب آراء استشارية.
الرأي القائل أن الجمعية العامة تصرفت على نحو تجاوز سلطاتها، (مردود) بموجب المادة 12 الفقرة 1، والمادة 24 من الميثاق إجراء الأمم المتحدة المتبع في ما يتعلق بتفسير المادة 12الفقرة 1 من الميثاق، ولم تتجاوز الجمعية العامة صلاحيتها.
 طلب الرأي الذي تنبته الجلسة الخاصة الطارئة للجمعية العامة تمت الدعوة لعقد الجلسة بموجب القرار 377أ (5) ( التوحد من أجل السلام) الشروط التي حددها ذلك القرار نظامية الإجراءات المتبعة.
الزعم بعدم وضوح شروط القضية. والزعم بأن طبيعة القضية نظرية. الجوانب السياسية للقضية. الدوافع التي يقال أنها أدت إلى الطلب. وردود الأفعال المحتملة للرأي. الطبيعة "القانونية" للقضية لم تتأثر.
تتمتع المحكمة بالاختصاص القضائي لإعطاء الرأي الاستشاري المطلوب.
السلطة التقديرية للمحكمة؛ لتقرير ما إذا كان ينبغي عليها تقديم رأي.
المادة 65 الفقرة 1 من القانون مدى الأخذ بعدم وجود موافقة دولة معينة.

 لا يمكن النظر إلى القضية فقط على أنها  بين (إسرائيل) وفلسطين، وإنما أمر يهم الأمم المتحدة.

 الآثار المحتملة للرأي.

  القضية تمثل جانباً واحداً فقط من النزاع (الإسرائيلي) الفلسطيني على حل سياسي متفاوض عليه للنزاع "الإسرائيلي" الفلسطيني.

 كفاية المعلومات والأدلة المتوفرة للمحكمة.

 الهدف المنفعي من تقديم الرأي ليس لأحد أن يستفيد من باطل صدر عنه.

 يجب تقديم الرأي للجمعية العامة، وليس لدولة بعينها، أو كيان بعينه.

ليس هناك (سبب قاهر) لكي تستخدم المحكمة سلطتها التقديرية لعدم إعطاء رأي استشاري.

(التبعات القانونية) لبناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية.

 نطاق المسألة المطروحة: الرأي مقتصر على العواقب القانونية لبناء تلك الأجزاء من الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

-       خلفية تاريخية.

-       وصف الجدار.

القانون المعمول به:

-   ميثاق الأمم المتحدة قرار الجمعية العامة 2625 (25) عدم شرعية أي امتلاك للأراضي نتيجة تهديد باستخدام القوة، وحق الشعوب في تقرير المصير.

القانون الإنساني الدولي اللوائح الملحقة بمعاهدة لاهاي الرابعة للعام 1907 معاهدة جنيف الرابعة للعام 1949.
قابلية تطبيق تلك اتفاقيات: معاهدة جنيف الرابعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قانون حقوق الإنسان، المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، معاهدة حقوق الطفل -في الأراضي الفلسطينية المحتلة،

 العلاقة بين القانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان، قابلية تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان خارج الأراضي القومية، .

تمثل المستوطنات التي أقامتها (إسرائيل) على الأراضي الفلسطينية المحتلة، انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي.
 بناء الجدار والقواعد المرتبطة به، تنشئ أمراً واقعاً على الأرض.

  الجدار يمكن أن يصبح خطراً دائماً، حيث ينبثق عنه  وضع يماثل  الضم الفعلي.

  بناء الجدار يعيق ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير، ويمثل، بالتالي، إخلالا بالتزام (إسرائيل) باحترام ذلك الحق.

الأحكام المعمول بها في القانوني الإنساني الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان ذات الصلة بالقضية الحالية تدمير ومصادرة الممتلكات، تقييدات على حرية سكان الأرض الفلسطينية المحتلة عوائق أمام ممارسة المعنيين حق الحصول على العمل والرعاية الصحية والتعليم والمستوى المعيشي الملائم التغيرات الديموغرافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أحكام القانون الإنسان الدولي التي تجعل أخذ الضرورات العسكرية في الاعتبار أمرا ممكنا مواد في اتفاقيات حقوق الإنسان توضح الحقوق المضمونة أو التي تنص على تقييد نصوص قانون ما بناء الجدار والقواعد المتعلقة به لا يمكن تبريره بالضرورات العسكرية أو متطلبات الأمن القومي أو النظام العام خلال (إسرائيل) بكثير من التزاماتها المقررة بموجب الأحكام المعمول بها لقانون واتفاقيات الحقوق الإنسانية.

الدفاع عن النفس المادة 51 من الميثاق الهجمات ضد إسرائيل لا يمكن عزوها لدولة أجنبية التهديد المستشهد به لتبرير بناء الجدار القائم داخل أرض تمارس إسرائيل السيطرة عليها المادة 51 غير ذات الصلة بالقضية الحالية.
حالة الضرورة القانون الدولي العرفي الشروط بناء الجدار ليس الوسيلة الوحيدة لحماية مصالح (إسرائيل) ضد الخط المستشهد به.
بناء الجدار والقواعد المتعلقة به تتعارض مع القانون الدولي.
التبعات القانونية لإخلال إسرائيل بالتزاماتها:

 إسرائيل ملزمة بالتقيد بالالتزامات الدولية التي انتهكتها ببناء الجدار، وهي ملزمة بوضع حد لانتهاكها، وناء على التزاماتها الدولية، عليها  الالتزام بالتوقف فورا عن أعمال بناء الجدار، والقيام بتفكيكه على الفور، وإلغاء الإجراءات التشريعية والتنظيمية المتعلقة ببنائه، أو جعلها غير ذات تأثير. وعلى "إسرائيل" الالتزام بتقديم تعويضات عن الأضرار الناجمة عن الجدار، التي لحقت بجميع الأشخاص العاديين، أو الاعتباريين المتأثرين ببناء الجدار.

التبعات القانونية المترتبة على الدول الأخرى تجاه إخلال  "إسرائيل" بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي:

 التزام جميع الدول بعدم الاعتراف بالوضع غير الشرعي الناشئ عن بناء الجدار، وبعدم تقديم العون والمساعدة بما من شأنه المحافظة على الوضع الناتج عن ذلك البناء. والتزام جميع الدول من منطلق احترام الميثاق والقانون الدولي، بالعمل على إزالة أي عائق ناتج عن بناء الجدار، يحول دون ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير.  التزام جميع الدول الموقعة على معاهدة جنيف الرابعة من منطلق احترام الميثاق والقانون الدولي، بضمان تقييد إسرائيل بالالتزام بالقانون الإنساني الدولي، حسبما هو متضمن في تلك المعاهدة.

 الحاجة إلى أن تبحث الأمم المتحدة، ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن، مدى ضرورة اتخاذ إجراء آخر؛ لوضع حد للوضع غير القانوني الناشئ عن بناء الجدار، والقواعد المرتبطة به، على أن يحترم  الرأي الاستشاري.

يجب وضع بناء الجدار في سياق أكثر عمومية.

 الحاجة لتشجيع الجهود لالزام إسرائيل وفلسطين بالتقيد بالقانون الإنساني الدولي، وتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن بحسن نية، ولا سيما القرار242 (1967م) والقرار 338 (1973م)، وخريطة الطريق،  في أقرب فرصة ممكنة، وعلى أساس القانون الدولي.

وأيجاد حل للمشكلات العالقة، عن طريق التفاوض، وإقامة دولة فلسطينية، مع ضمان الأمن والسلام لجميع الدول في المنطقة.

· الرأي الاستشاري:

الحضور: الرئيس (شي)، نائب الرئيس (ران جيفا).

القضاة: جيم كورما، فيريشيتين، هيجنز، بارا، ارانجورين، كويجمانز، رزق، الخصاونة، بويرحنثال، العربي، أودا، سيما، تومكا.

أمين السجل: كوفرير.

في ما يتعلق ببناء الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة:

تقدم المحكمة المؤلفة من المذكورين أعلاه الرأي الاستشاري التالي:

1.  إن القضية التي تم طلب رأي المحكمة الاستشاري بشأنها موضحة بالقرار ES-10/14 الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة (يشار إليها في ما يلي "ب" الجمعية العامة) في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2003 في جلستها الخاصة الطارئة.

وبموجب خطاب مؤرخ في 8 ديسمبر، 2003م وتم استلامه في السجل بالفاكس في 10ديسمبر، 2003م والذي وصل أصله إلى السجل لاحقا، أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة المحكمة رسميا، بالقرار الذي اتخذته الجمعية العامة، لرفع القضية بهدف الحصول على رأي استشاري، وتم إرفاق صور طبق الأصل للنسختين الإنجليزية والفرنسية من القرار ES-10/14 مع الخطاب. وفي ما يلي نص القرار:

"أن الجمعية العامة تأكيداً منها لقرارها رقم es-10/13 المؤرخ 21/10/2003. واسترشاداً بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وإدراكاً منها للمبدأ الراسخ للقانون الدولي بشأن عدم قبول الاستيلاء على الأراضي بالقوة.

 وإدراكاً منها أيضاً بوجوب إقامة علاقات ودية بين الدول، استناداً إلى وجوب احترام مبادئ الحقوق المتساوية، وتقرير مصير الشعوب يعد من بين أغراض ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة".

وتذكيراً منها بقرارات الجمعية العامة ذات الصلة، بما في ذلك القرار 181 (2) المؤرخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، 1947م والتي قسمت على أساسه فلسطين الواقعة تحت الانتداب إلى دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية.

وتذكيراً منها بقرارات الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة للجمعية العامة. وتذكيراً منها كذلك بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرارات242 (1967م) المؤرخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، 1967م و338 (1973م) المؤرخ 22 أكتوبر/ تشرين الأول، 1973و267 (1969م) المؤرخ 3يوليو/ تموز، 1969م و298 (1971) المؤرخ 25 سبتمبر/ أيلول، 1971م و446 (1979م) المؤرخ 22مارس/آذار،1979 و452 (1979م) المؤرخ 20 يوليو/ تموز، 1979و465 (1980) المؤرخ أول مارس/ آذار، 1980م و476 (1980م) المؤرخ30 يونيو/ حزيران، 1980م و478 (1980م) المؤرخ 20 أغسطس/ آب،1980م و904 (1994م) المؤرخ 18 مارس/ آذار، 1994م و1073 (1996م) المؤرخ 28 سبتمبر/أيلول، 1996و1397م (2002م) المؤرخ 12 مارس/ آذار،2002م و1515 (2003م) المؤرخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003م.

وتأكيداً منها لقابلية تطبيق معاهدة جنيف الرابعة والبرتوكول الإضافي (1) لمعاهدات جنيف على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.

وتذكيراً منها باللوائح الملحقة بمعاهدة لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب على الأرض للعام 1970م.

وترحيباً منها بالدعوة لعقد مؤتمر الأطراف المتعاقدة الأصلية على معاهدة جنيف الرابعة بشأن تنفيذ المعاهدة  في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس، في جنيف بتاريخ 15 يوليو/ تموز 1999م.

وتعبيراً عن تأييدها للإعلان الذي تم تبنيه للدعوة مجدداً لعقد مؤتمر الأطراف المتعاقدة الأصلية في جنيف بتاريخ 5 ديسمبر/ كانون الأول 2001م.

وتذكيراً منها على وجه الخصوص بقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية غير الشرعية وتمثل عقبة أمام السلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالقرارات التي تطالب بوقف كامل للنشاطات الاستيطانية.

وتذكيرا منها بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي تؤكد أن الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل بصفتها سلطة الاحتلال، لتغيير القدس الشرقية المحتلة وتركيبتها الديموغرافية ليس لها شرعية قانونية وتعد باطلة ولاغية.

وإشارة منها إلى الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط.

وإحساساً منها بالقلق العميق إزاء بدء إسرائيل بصفتها سلطة الاحتلال، واستمرارها في بناء جدار على الأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية وحولها وهو ما يعد انحرافاً عن خط الهدنة للعام 1949 (الخط الأخضر)، وقد تضمن مصادرة وإتلاف الأراضي والممتلكات الفلسطينية وإرباك حياة آلاف المدنيين الخاضعين للحماية والضم الفعلي لمساحات واسعة من الأراضي، وتأكيدا للمعارضة الاجتماعية من المجتمع الدولي لبناء ذلك الجدار.

وإحساساً منها بالقلق العميق أيضاً إزاء التأثير الأشد خطورة للأجزاء المتوقعة للجدار في السكان المدنيين والفلسطينيين وفي احتمالات حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وتحقيق السلام في المنطقة.

وترحيبا منها بالتقرير الصادر في 8 سبتمبر/ أيلول 2003م عن المقرر الخاص لمفوضية حقوق الإنسان بشأن وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها "إسرائيل" منذ1976م، ولاسيما القسم المتعلق بالجدار.

وتأكيداً على ضرورة إنهاء النزاع على أساس حل يقوم على وجود دولتين إسرائيل وفلسطين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن استناداً إلى خط الهدنة للعام، 1949م وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة ذات الصلة.

وبعد تلقيها بكل تقدير تقرير الأمين العام المقدم لها طبقاً للقرارES-10/13.

ويقيناً منها بأن مرور الوقت يضاعف بدرجة أكبر الصعوبات على الأرض مع استمرار إسرائيل بصفتها سلطة الاحتلال في رفض التقيد بالقانون الدولي فيما يتعلق ببناء الجدار المذكر أعلاه بكل ما ينطوي عليه من آثار وتبعات ضارة.

تقرر وفقاً للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة أن تطلب من محكمة العدل الدولية، بمقتضى المادة 65 من قانون المحكمة، إن تقدم على نحو عاجل رأياً استشارياً بشأن السؤال التالي:

ما هي التبعات القانونية الناشئة عن بناء إسرائيل كسلطة احتلال للجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية وما حولها، وحسبما هو موضح في تقرير الأمين العام، مع الأخذ بالحسبان قواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك معاهدة جنيف الرابعة للعام، 1949م وقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة ذات الصلة؟.

وكان مرفقا ًمع الخطاب أيضاً النصان الإنجليزي والفرنسي لتقرير الأمين العام المؤرخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003م والذي تم إعداده وفقاً لقرار الجمعية العامة (ES10/13 A/ES-10/248) الذي يشير إليه القرارES10/14.

2.   بموجب خطابات مؤرخة 10 ديسمبر/كانون الأول، 2003م أبلغ أمين السجل الطلب، بتقديم رأي استشاري، إلى جميع الدول التي يحق لها المثول أمام المحكمة طبقاً للمادة، 66 الفقرة "1" من القانون.

3.  وبموجب خطاب مؤرخ 11 ديسمبر/ كانون الأول، 2003م أبلغت الحكومة بموقفها من طلب رأي استشاري ومن الطريقة التي سيتم إتباعها.

4.  بناء على القانون الصادر في 19 ديسمبر/ كانون الأول،2003م قررت المحكمة أن الأمم المتحدة والدول الأعضاء بإمكانها حسب المادة، 66 الفقرة، 2 تقديم المعلومات المتعلقة بكافة الجوانب القضية التي تم رفعها إلى المحكمة للنظر فيها وقد حددت الثلاثين من يناير/ كانون الأول، 2004م كآخر موعد لتقديم بيان بالوقائع الخاصة بالقضية حسب المادة 66 الفقرة 4 من النظام الأساسي.

وبناء القانون على ذاته، قررت المحكمة أنه على ضوء القرار ES10/14 وتقرير الأمين العام الذي أرفق بالطلب، ومع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الجمعية العمومية منحت فلسطين صفة المراقب، فإن باستطاعة فلسطين أيضاً تقديم بيان بالوقائع الخاصة بالقضية ضمن المهلة المحددة أعلاه.

5.  بموجب القانون المذكور أعلاه، قررت المحكمة أيضاً وفقاً للمادة 105 الفقرة 4 من دستور المحكمة،أن تعقد جلسة استماع علنية يتم خلالها استعراض البيانات الشفهية والتعليقات المقدمة لها من قبل الأمم المتحدة والدول الأعضاء، بغض النظر عما إذا كانت قدمت بيانات خطية أم لا، وقد حددت الثالث والعشرين من فبراير/ شباط 2004م كبداية لجلسة الاستماع المذكورة، وبناء على القانون ذاته، ولذات الأسباب المذكورة أعلاه (انظر الفقرة الرابعة) قررت المحكمة أن باستطاعة فلسطين المشاركة في جلسة الاستماع وأخيراً، طلبت المحكمة من الأمم المتحدة وأعضائها، وأيضاً فلسطين، إعلام مكتب التسجيل بالرغبة، أو عدم الرغبة في المشاركة، وذلك في موعد أقصاه 13 فبراير/ شباط 2004م. وقام مسؤول التسجيل باطلاع تلك الأطراف، من خلال الرسائل صدرت بتاريخ 19 ديسمبر/ كانون الأول، على قرارات المحكمة وأرسل لها نسخة من نص القانون المذكور.

6.  وبناء على المطالب المقدمة من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، قررت المحكمة، وفقاً للمادة 66 من الدستور، أن بامكان هاتين المنظمتين الدوليتين تقديم معلومات حول القضية المرفوعة إلى المحكمة، وبالتالي، فإنهما قد تقدمان بيانات خطية للغرض ذاته ضمن المدة التي حددتها المحكمة، في الأمر الصادر في 19 ديسمبر/كانون الأول، 2003م ومن ثم المشاركة في جلسة الاجتماع.

7.    وبناء على المادة 65 الفقرة 2 من الدستور، قدم الأمين العام للأمم المتحدة ملفاً للمحكمة يتضمن وثائق من شأنها أن تلقي ضوءاً على القضية.

8.  وبناء على الأمر الصادر في 30 يناير/ كانون الثاني 2004م قررت المحكمة أن القضايا التي قدمتها لها حكومة "إسرائيل" في رسالة بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2003م وفي رسالة سرية بتاريخ 15يناير/كانون الثاني 2004م موجهة إلى الرئيس طبقاً للفقرة الثانية من المادة 34 من قوانين المحكمة، لم تكن لتحول دون مشاركة القاضي "ايلاربي" في القضية.

9.  تم تقديم البيانات الخطية ضمن المهلة المحددة التي أقرتها المحكمة، ووردت بالترتيب التالي:غينيا، السعودية، جامعة الدول العربية، مصر، الكاميرون، الاتحاد الروسي، استراليا، فلسطين، كندا، سوريا، سويسرا، إسرائيل، اليمن، الولايات المتحدة الأمريكية، المغرب، إندونيسيا ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فرنسا، ايطاليا، السودان، جنوب أفريقيا، ألمانيا، اليابان، النرويج، المملكة المتحدة، باكستان، جمهورية التشيك، اليونان، ايرلندا، عن نقسها ونيابة عن الاتحاد الأوروبي، قبرص، البرازيل، ناميبيا، مالطا، ماليزيا، هولندا، كوبا، السويد، اسبانيا، بلجيكا، بالاو، ماكرونيسا، السنغال، جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية. وقام المسؤول عن التسجيل، لدى تلقي هذه البيانات، بإرسال نسخ منها إلى المتحدة والدول الأعضاء وفلسطين وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

10.  أجرى مسؤول مكتب التسجيل العديد من الاتصالات مع تلك الأطراف حول الإجراءات التي تم اتخاذها بشأن عقد جلسة الاستماع الشفهية وأرسل المسؤول، في 20 فبراير/ شباط 2004م نسخة من السجل إلى الأطراف الذين أعربوا عن نيتهم المشاركة في جلسة الاستماع.

11.  تبعاً للمادة 106 من دستور المحكمة، قررت المحكمة أن تجعل البيانات الخطية في متناول الناس بدءاً من أولى جلسات الاستماع.

12.   استمعت المحكمة خلال جلسات الاستماع التي انعقدت في الفترة بين 23 و25 فبراير/ شباط 2004م إلى:

عن فلسطين:

السيد ناصر القدوة، مراقب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة.

الآنسة ستيفاني كوري عضو وحدة دعم المفاوضات، مستشارة.

السيد جيمس كراوفورد أستاذ القانون الدولي في جامعة كامبردج، مستشار ومحام.

السيد جورج أبي صعب أستاذ القانون الدولي، معهد الدراسات الدولية، عضو معهد القانون الدولي

مستشار ومحام.

السيد فون لوي جامعة أكسفورد مستشار ومحام.

السيد جين سالمون أستاذ متقاعد في القانون الدولي، جامعة ليبردو بروكسيل، عضو معهد القانون الدولي مستشار ومحام.

 عن جمهورية جنوب أفريقيا:

السيد عزيز بهاد نائب وزير الخارجية رئيس الوفد.

القاضي أم. أر. دبليو مادلانجا اس سي.

عن الجزائر:

السيد أحمد لاريا أستاذ القانون الدولي.

عن المملكة العربية السعودية:

السيد فوزي شبكشي السفير والممثل الدائم للملكة في الأمم المتحدة في نيويورك رئيس الوفد.

عن بنجلادش:

السيد لياكوات على تشود هوري سفير بنجلادش في هولندا.

 عن جمهورية بيليز:

السيد جان مارك سوريل أستاذ في جامعة باريس (بانسيون سوربون).

عن كوبا:

السيد ابيلارودو مورينو فيرنانديز نائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية.

عن إندونيسيا:

السيد محمد يوسف سفير اندونيسيا في هولندا رئيس الوفد.

 عن المملكة الأردنية الهاشمية:

سمو الأمير رعد زيد الحسين الممثل الدائم للملكة المتحدة رئيس الوفد.

السيد آرثر واتس المستشار القانوني الأول لحكومة المملكة الأردنية الهاشمية.

عن جمهورية مدغشقر:

السيد ألفرد رامبلسون الممثل الدائم لمدغشقر في مكتب الأمم المتحدة في جنيف والوكالات المتخصصة رئيس الوفد.

عن ماليزيا:

السيد داتوك سيري سيد حامد البار وزير خارجية ماليزيا رئيس الوفد.

عن السنغال:

السيد ساليو سيسي سفير السنغال في هولندا رئيس الوفد.

 عن السودان:

السيد أبو القاسم إدريس سفير السودان في هولندا.

 عن الجامعة العربية:

ميشيلي بوثي أستاذ القانون رئيس وفد الجامعة.

عن منظمة المؤتمر الإسلامي:

السيد عبد الأحد بلقيز أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي.

الآنسة مونيك تشيميلير جندرو أستاذة القانون العام جامعة باريس دينيس ديديروت السابع مستشارة.

13.  عندما تتلقى المحكمة طلبا لإبداء رأي استشاري فإن عليها أن تدرس أولاً مسألة ما إذا كانت تتمتع بالصلاحية والسلطة القضائية لإعطاء الرأي المطلوب، وما إذا ما إذا كان هناك أي سبب يحملها على الإحجام عن ممارسة مثل هذه الصلاحية، وإذا كان الرد بالإيجاب (انظر قانونية التهديد، واستخدام الأسلحة النووية، الرأي الاستشاري، تقارير أي.سي.جي لعام 1996ص 2320 الفقرة 10).

14.  وهكذا، فإن المحكمة سوف تتصدى أولاً للإجابة على السؤال عما إذا كانت تملك سلطاناً قضائياً لإعطاء الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة يوم 8 ديسمبر/كانون الأول من عام 2003. وأهلية المحكمة وصلاحيتها في هذا المقام تستند إلى البند 65 الفقرة "1" من قانونها الأساسي، الذي يمكن للمحكمة بموجبه "أن تعطي رأياً استشارياً بشأن أي سؤال، أو قضية قانونية تطلب رأيها فيها أي هيئة مخولة من قبل أو بموجب ميثاق الأمم المتحدة للتقدم بمثل هذا الطلب" وقد أتيحت للمحكمة الفرصة لتبيان ذلك:

"إنه... من الشروط المسبقة لأهلية المحكمة وتمتعها بالصلاحية أن تتقدم بطلب الرأي الاستشاري هيئة، أو جهاز مخول حسب الأصول بأن يلتمس هذا الرأي بموجب الميثاق، وأن يطلب هذا الرأي حول مسألة قانونية، وإنه باستثناء الحالات التي تتعلق أما بالجمعية العامة بأن يلتمس بالجمعية العامة أو مجلس الأمن، ينبغي أن تنبثق تلك المسألة من ضمن مجالات نشاطات الهيئة المتقدمة بالطلب". (تطبيقات مراجعة الأحكام رقم 273 من وثائق المحكمة الإدارية للأمم المتحدة، الرأي الاستشاري، تقارير أي.سي.جي1982م ص333  334 الفقرة 21).

15.  يعهد إلى المحكمة أن تستوثق لنفسها من أن طلب الرأي الاستشاري يأتي من هيئة أو وكالة لها صلاحية التقدم بها. وفي الحالة الراهنة بين أيدينا تلاحظ المحكمة أن الجمعية العامة التي تبتغي الرأي الاستشاري مخولة بالقيام بموجب البند 96 الفقرة 1 من الميثاق الذي ينص على أن: "الجمعية العامة
أو مجلس الأمن يمكن أن يطلب إلى محكمة العدل الدولية أن تدلي برأيها الاستشاري حول أي قضية قانونية".

16.  مع أن الفقرة أنفة الذكر تنص على أن الجمعية العامة يمكن أن تلمس الرأي الاستشاري "بشأن أي قضية قانونية" فقد أظهرت المحكمة في الماضي أحياناً دلائل معينة ذات صلة بالعلاقة بين القضية وموضوع طلب الرأي الاستشاري وبين نشاطات الجمعية العامة (تفسير معاهدات السلام مع بلغاريا والمجر ورومانيا، تقارير أي. سي. جي لعام 1950ص، 70 قانونية التهديد واستخدام الأسلحة النووية، تقارير أي. سي. جي لعام 1996ص 232 الفقرتان 11و12).

17.   سوف تمضي المحكمة على هذا النهج القضية الراهنة، ولا بد أن تلاحظ أن البند 10 من الميثاق قد أسبغ على الجمعية العامة أهلية تتعلق بأي قضايا، أو مسائل ضمن نطاق الميثاق، وأن البند 11 في الفقرة "2" قد خولها بوجه خاص الصلاحية فيما يتعلق بقضايا لها صلة بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين يرفعها لها أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة. وأن تتقدم بتوصيات بشروط معينة نصت عليها تلك البنود. وكما سيجري تفسيره لاحقا، فإن قضية إقامة الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة كان قد طرحها أمام الجمعية العامة عدد من الدول الأعضاء في خضم الجلسة الطارئة العاشرة الخاصة للجمعية العامة التي انعقدت لبحث ما اعتبرته الجمعية في قرارها ES-10/2 يوم 25 ابريل/نيسان من عام 1997م أنه يمثل السلام والأمن الدوليين.

18.  قبل الإيغال في مزيد من تفحص المشكلات المتعلقة بالسلطان القضائي، وهي المشكلات التي أثيرت في الإجراءات الراهنة، ترى المحكمة أن من الضروري أن تأتي على وصف الأحداث التي قادت إلى تبني القرار ES-10/14، الذي طلبت الجمعية العامة بموجبه رأياً استشارياً بشأن ما يترتب على إقامة الجدار وتبعات قانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

19.  عقدت الجلسة الطارئة العاشرة الخاصة للجمعية العامة التي جرى فيها تيني القرار في أعقاب رفض مجلس الأمن الدولي يوم 7ويوم 21 مارس/آذار من عام 1997م، نتيجة للتصويت السلبي من قبل عضو دائم في المجلس، لمسودتي قرارين حول مستوطنات إسرائيلية معينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة (انظر على التوالي، S/PV.3747وS/1997/199 وS/1997/241 وS/PV.3756). وفي رسالة بعث بها رئيس المجموعة العربية بتاريخ 31 مارس/ آذار من عام 1997 طلب أن تعقد جلسة طارئة خاصة للجمعية العامة متابعة للقرار 377 (AV) بعنوان "التوحد من أجل السلام" بغرض مناقشة الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وفي باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة. (الخطاب مؤرخ في 31 مارس/آذار 1997 من مندوب قطر الدائم في الأمم المتحدة والموجه إلى الأمين العام، A/ES-10-1، يوم 22 أبريل /نيسان من عام 1997 الملحقات). وبما أن أغلبية أعضاء الأمم المتحدة توافقت بشأن هذا الطلب فقد عقد الاجتماع الأول للجلسة الطارئة العاشرة الخاصة للجمعية العامة يوم 24 أبريل/نيسان من عام 1997 (انظر  A/ES-10/1 بتاريخ 22 أبريل/ نيسان من عام 1997). وجرى تبني القرار ES-10/2 في اليوم التالي. وأعربت الجمعية العامة فيه عن قناعتها: بأن انتهاك إسرائيل، وهي القوة المحتلة، المتكرر للقانون الدولي وإعراضها عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة ذات الصلة وإخفاقها في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها من قبل الأطراف المعينة ينسف عملية السلام في الشرق الأوسط ويشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين.

كما دانت الجمعية العامة (الأعمال الإسرائيلية) غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبخاصة إنشاء المستوطنات في تلك الأراضي. ثم أرجئت الجلسة الطارئة العاشرة الخاصة للجمعية العامة مؤقتاً، ثم أعيد انعقادها منذ ذلك الحين 11 مرة (بتاريخ 15 يوليو/ تموز، 1997م و13 نوفمبر /تشرين الثاني، 1997م و17 مارس/ آذار، 1998م ويوم 5 فبراير/ شباط، 1999م ويوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول، 2000م ويوم 20 ديسمبر/ كانون الأول، 2001م ويوم 7مايو/ أيار، 2002م ويوم 5 أغسطس/ آب، 2002م ويوم 19 سبتمبر/ أيلول، 2003م ويوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول، 2003م ويوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2003م).

20.  طلب رئيس المجموعة العربية في رسالة مؤرخة يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2003م باسم الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية عقد اجتماع فوري لمجلس الأمن لبحث "الانتهاكات الإسرائيلية" الخطيرة والمستمرة للقانون الدولي بما فيه القانون الإنساني الدولي، واتخاذ الإجراءات الضرورية بهذا الصدد. (الرسالة بتاريخ 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2003م).

21.  وأرفقت مع هذه الرسالة مسودة قرار لكي يجري تدارسه في المجلس وقد شجب هذا القرار إقامة إسرائيل غير القانونية لجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة ينأى عن خط هدنة عام 1949م، وعقد مجلس الأمن اجتماعه رقم 4814 و 4842 بتاريخ 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2003م لبحث الموضوع المعنون: "الأوضاع في الشرق الأوسط بما فيها الفلسطينية". ثم طرحت أمامه مسودة قرار آخر اقترح في اليوم ذاته من قبل غينيا وماليزيا وباكستان وسوريا، شجب أيضاً إقامة الجدار. وجرى التصويت على مسودة هذا القرار بعد نقاش مفتوح ولم يتم تبنيه بسبب التصويت السلبي لعضو دائم في المجلس (S/PV.4841 و S/PV.4842).

في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2003 طلب رئيس المجموعة العربية باسم الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية استئناف جلسة الجمعية العامة الخاصة الطارئة العاشرة لبحث موضوع الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة. (A/ES-   10/242) ودعمت هذا الطلب حركة عدم الانحياز (A/ES-10/243) ومجموعة منظمة المؤتمر الإسلامي في الأمم المتحدة  (A/ES-10/244) واستأنفت الجلسة الطارئة الخاصة العاشرة للجمعية العامة عملها بتاريخ 20 أكتوبر/تشرين الأول 2003م.

22.  تبنت الجمعية العامة في 27 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2003م القرار ES-10/13  الذي طالبت فيه بأن توقف إسرائيل إقامة الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتتراجع عن هذه الخطوة بما فيها إنشاء الجدار في القدس الشرقية وحولها، الأمر الذي يشكل انحرافاً عن خط الهدنة لعام 1949م، ويناقض ما نصت عليه بنود القانون الدولي ذات الصلة (الفقرة "1"). وفي الفقرة 3 طلبت الجمعية إلى الأمين العم أن يرفع تقارير دورية منتظمة حول الالتزام بالقرار، على أن يسلم التقرير الأول بشأن الامتثال لمتطلبات الفقرة "1" (من القرار) في غضون شهر من تاريخه. وجرى إرجاء انعقاد الجلسة الطارئة الخاصة العاشرة مؤقتا وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2003م صدر تقرير الأمين العام الذي أعد بمقتضى قرار الجمعية العامة ES-10/13 (الذي سيشار إليه من الآن فصاعدا باسم "تقرير الأمين العام" (A/ES-10/248).

23.  في غضون ذلك تبنى مجلس الأمن في 19 نوفمبر /تشرين الثاني 2003م القرار1515 (2003م) الذي تبنى الحل الذي ارتأته  اللجنة الرباعية المتمثل بخارطة الطريق المستندة إلى آلية للوصول إلى حل دائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي قائم على مبدأ الدولتين. وتتألف اللجنة الرباعية من ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي والأمم المتحدة. ويدعو هذا القرار الأطراف المعنية إلى الوفاء بالتزاماتها المقررة في خريطة الطريق بالتعاون مع الرباعية كما يدعوها لبلورة رؤية دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بأمن وسلام.

ولم تشتمل خريطة الطريق ولا القرار 1515 (2003م) على بنود محددة تتعلق بإنشاء الجدار الذي لم تجري مناقشة موضوعه من قبل مجلس الأمن في هذا السياق.

24.  بعد تسعة عشرة يوما استأنفت الجلسة الطارئة العاشرة الخاصة للجمعية العامة أعمالها بناء على طلب تقدم به رئيس المجموعة العربية باسم الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وبمقتضى القرار           ES-10/13 (الرسالة المؤرخة في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2003م إلى رئيس الجمعية العامة من القائم بأعمال بعثة الكويت الدائمة إلى الأمم المتحدة، (A/ES-10/249 في ديسمبر/ كانون الأول 2003م). وفي هذا الاجتماع الذي انعقد في ذلك اليوم تم تبني القرار ES-10/14 الذي يطلب الرأي الاستشاري الذي نحن بصدده لآن.

24- بعد أن استحضرنا تتابع الأحداث التي أدت إلى تبني القرار ES-10/14 سوف تلتفت المحكمة إلى مسائل الصلاحية القضائية التي أثيرت بالنظر إلى الانهماك النشط لمجلس الأمن بمناقشة الوضع في الشرق الأوسط، بما فيه القضية الفلسطينية فقد تجاوزت الجمعية العامة صلاحيتها المخولة لها بموجب الميثاق عندما طلبت الرأي الاستشاري بخصوص التبعات القانونية لإقامة الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

25.  بينت المحكمة أن موضوع الطلب الحالي لإبداء رأي استشاري يقع ضمن صلاحيات الجمعية العامة بمقتضى الميثاق (انظر الفقرات 15 و17 عاليه) إلا أن البند 12 من الفقرة (1) للميثاق ينص:

"في حين يمارس مجلس الأمن فيما يتعلق بأي نزاع أو حالة، الوظائف المناطة به بمقتضى الميثاق الحالي، فإن الجمعية العامة لن ترفع أي توصيات فيما يتعلق بهذا النزاع أو تلك الحالة، ما لم يطلب مجلس الأمن ذلك.

وطلب الرأي الاستشاري لا يعتبر بحد ذاته توصيات من قبل الجمعية العامة فيما يتعلق بنزاع أو حالة. إلا أنه جرى النقاش في هذه القضية حول أن تبني الجمعية القرار قرار ES-10/14 كان خروجاً عن صلاحياتها باعتباره لا يتماشى مع البند 12. وعليه، فإن المحكمة تعتبر أنه من الملائم بالنسبة لها أن تتحرى وتتفحص أهمية هذا البند مع الأخذ بعين الاعتبار النصوص ذات الصلة وأعراف الأمم المتحدة.

26.  بموجب البند 24 من الميثاق، فإن لمجلس الأمن مسؤولية أساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدولي. وانطلاقاً من هذا الاعتبار، فإن من صلاحياته أن يفرض على الدول التزاما صريحا بالرضوخ، إذا أصدر قراراً أو أمراً.. بموجب الفصل السابع، وبإمكانه أيضاً لتحقيق هذه الغاية أن (يتطلب التنفيذ بالقوة) (توسعات معينة للبند "17" الفقرة "2" من ميثاق الأمم المتحدة)، الرأي الاستشاري في 20 يوليو/ تموز من عام 1962م، تقارير "أي.سي.جي" 1962م ص 163، إلا أن المحكمة تؤكد أن البند 24 يشير إلى صلاحية قضائية أولية، وليس بالضرورة صلاحية قضائية حصرية. وللجمعية العامة سلطة، من بين سلطات أخرى وبموجب البند 14 من الميثاق، بأن توصي بإجراءات من أجل حل سلمي لمختلف الأوضاع (والقيد الوحيد الذي يفرضه البند 14 على الجمعية العمة هو التقييد الذي يشتمل عليه البند 12، وهو أن على الجمعية العمة ألا توصي باتخاذ إجراءات في الوقت الذي يتصدى فيه مجلس 2 في ما يتعلق بالطريقة التي تتبعها الأمم المتحدة، فسرت الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي المادة 12 وطبقها مبدئياً على نحو لم تستطع معه الجمعية التقدم بتوصية بشأن سؤال يتعلق بالمحافظة على السلام والأمن الدوليين في وقت لا يزال فيه الموضوع على جدول عمل المجلس، وهكذا رفضت الجمعية في جلستها الرابعة أن توصي بإجراءات بعينها حول قضية إندونيسيا، على أساس أن المجلس من بين أشياء أخرى ظل محتفظا بالأمر (السجلات الرسمية للجمعية العامة، الجلسة الرابعة، اللجنة السياسية الخاصة، موجز سجلات الاجتماعات، 27 سبتمبر/أيلول 7 ديسمبر /كانون الأول 1949، الاجتماع السادس والخمسون، 13 ديسمبر/كانون الأول 1949م صفحة 339 الفقرة 118).

وبالنسبة للمجلس، فقد حذف في مناسبات عدة بنود من جدول أعماله لتمكين الجمعية العامة من المداولة بشأنها (وعلى سبيل المثال، القضية الإسبانية السجلات الرسمية لمجلس الأمن، السنة الأولى: السلسلة الثانية، رقم 21، الاجتماع التاسع والسبعون، 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1946م، صفحة 489) في ما يتعلق بالأحداث على الحدود اليونانية (السجلات الرسمية لمجلس الأمن، السنة الثانية، رقم 89، الاجتماع 202، 15 سبتمبر/أيلول  1947، الصفحتان 2402 و2405) وفي ما يتعلق بجزيرة تايوان (فورموزا) (السجلات الرسمية لمجلس الأمن، السنة الخامسة، رقم 48 الاجتماع 506، 29 سبتمبر/أيلول 1950، ص 5). وفي قضية جمهورية كوريا قرر المجلس في 31 يناير/ كانون الثاني 1951م حذف البند ذي الصلة من قائمة المواضيع التي يحتفظ بها، لتمكين الجمعية من التداول حول الموضوع (السجلات الرسمية لمجلس الأمن، السنة السادسة، S/PV.531، الاجتماع 531، 31يناير/ كانون الثاني 1951م، الصفحتان 11و12، الفقرة 57).

ولكن هذا التفسير للمادة 12 تطور لاحقاً. وهكذا ارتأت الجمعية العامة أن من حقها في عام 1961م أن تتبنى توصيات في موضوع الكونجو (القراران 1955 (15) و1600 (16) وفي عام 1963م في ما يتعلق بالمستعمرات البرتغالية (القرار 1913 (18)) في حين لا تزال تلك القضايا تظهر على جدول أعمال مجلي الأمن دون أن يكون المجلس قد تبنى أي قرار مؤخراً يتعلق بها. ورداًعلى سؤال طرحته بيرو خلال الجلسة الثالثة والعشرين للجمعية العامة، أكد المستشار القانوني للأمم المتحدة أن الجمعية فسرت عبارة "تؤدي وظائف" الواردة في المادة 12 من الميثاق على أنها تعني "تؤدي الوظائف في هذه اللحظة" (الجمعية العامة الثالثة والعشرون، اللجنة الثالثة، الاجتماع 1637،1637.A/C.3/SR، الفقرة 9). وفي الواقع، تلاحظ المحكمة أنه كان هناك ميل مطرود مع مرور الوقت لأن تتعامل الجمعية العامة ومجلس الأمن على نحو متواز مع الموضوع ذاته، في ما يتعلق بالمحافظة على السلام والأمن الدوليين (انظر على سبيل المثال الأمور المتعلقة بقبرص وجنوب أفريقيا وانجولا وروديسيا الجنوبية، ومؤخراً، البوسنة والهرسك والصومال). وفي حين مال مجلس الأمن في كثير من الأحيان إلى التركيز على جوانب تلك الأمور ذات الصلة بالسلام والأمن الدوليين، أخذت الجمعية العامة منحى أوسع بإيلائها الاهتمام للجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.  

27.   ترى المحكمة أن الإجراء المقبول للجمعية العامة حسب تطوره يتسق مع المادة 12، الفقرة "1" من الميثاق.

وبالتالي، فإن المحكمة تتفق مع الرأي القائل أن الجمعية العامة بتبنيها القرار ES-10/14 وسعيها لرأي استشاري من المحكمة لم بتعارض مع أحكام المادة 12، الفقرة "1" من الميثاق. وتتوصل المحكمة إلى أن الجمعية العامة بتقديمها الطلب لم تتجاوز.

28.  وقد تم أمام المحكمة تأكيد أن الطلب الحالي الخاص بتقديم رأي استشاري لم يف بالشروط الأساسية التي حددها القرار 377 (V) والذي تمت بموجبه الدعوة لعقد الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة واستمرت في التصرف. وفي هذا الصدد، قيل أولاً أن مجلس الأمن لم يحتفظ أبداً بمسودة قرار يقترح قيام المجلس ذاته بتقديم طلب الحصول على رأي استشاري من المحكمة حول الأمور التي يجري بحثها حالياً وأن ذلك الموضوع بعينه لم يتم طرحه أبداً أمام المجلس، وإن الجمعية العامة لا تستطيع أن تعتمد على أي تراخ من جانب المجلس في تقديم طلب كهذا. وثانياً، قيل أن المجلس عندما تبنى القرار 1515 (2003م) الذي صادق على "خارطة الطريق" قبل تبني الجمعية العامة للقرار ES-10/14، استمر في ممارسة مسؤوليته للمحافظة على السلام والأمن الدوليين، ونتيجة لذلك لم يكن من حق الجمعية العامة التصرف بدلا عنه. وقد تم أيضاً التحقق من صحة الإجراء الذي اتبعته الجلسة الخاصة الطارئة ولا سيما طابع الجلسة وحقيقة أن اجتماعاتها تمت الدعوة له المداولة حول طلب تقديم الرأي الاستشاري في الوقت ذاته الذي تعقد فيه الجمعية العامة جلستها الدورية.

29.  وتذكر المحكمة بأن القرار 377 (V) ينص على أن: (في حال أخفق مجلس الأمن بسبب عدم تحقق إجماع الأعضاء الدائمين في ممارسة مسؤوليته الأساسية المتمثلة في المحافظة على السلام والأمن الدوليين في أي قضية يبدو فيه تهديد للسلام وإخلال بالأمن أو عمل عدواني، ويجب على الجمعية العامة أن تدرس الأمر على الفور بهدف تقديم توصيات ملائمة للأعضاء لاتخاذ إجراء جماعي...)

ويقوم على الإجراء الذي ينص عليه ذلك القرار على شرطين هما أن المجلس عجز عن ممارسة مسؤوليته الأساسية في المحافظة على السلام والأمن الدوليين نتيجة تصويت سالب من قبل عضو دائم واحد أو أكثر، وأن يكون الوضع منطوياً على تهديد للسلم وإخلال بالأمن العام أو عمل عدواني. ويجب على المحكمة طبقاً لذلك أن تؤكد ما إذا كان هذان الشرطان قد تحققا في ما يتعلق بالدعوة لعقد الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة، وتحديداً في الوقت الذي قررت فيه الجمعية العامة طلب رأي استشاري من المحكمة.

30.   وفي ضوء تسلسل الأحداث الموضحة في القرارات 18و23 أعلاه، تلاحظ المحكمة أنه في الوقت الذي تمت فيه الدعوة لعقد الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة في 1997م، كان المجلس غير قادر على اتخاذ قرار حول قضية مستوطنات إسرائيلية بعينها في الأرض الفلسطينية المحتلة بسبب تصويت سالب من قبل عضو دائم، وكان هناك حسبما هو موضح في القرار ES-10/2 (انظر الفقرة 19 أعلاه) تهديد للسلام والأمن الدوليين.

وتشير المحكمة أيضاً إلى أنه تمت في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2003م الدعوة مجدداً لعقد الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة على الأساس ذاته الذي تمت الدعوة لانعقادها عام 1997 (انظر بياني مندوبي فلسطين و"إسرائيل" A/ES-10/PV.21،الصفحتان 2و5) بعد رفض مجلس الأمن مرة ثانية في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2003 نتيجة تصويت سالب من قبل عضو دائم لمشروع قرار يتعلق ببناء "إسرائيل" الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، وترى المحكمة أن مجلس الأمن اخفق مرة أخرى في التصرف طبقاً لما هو متوقع في القرار 377 (V). ولا يبدو للمحكمة أن الوضع في هذا الصدد تغير بين 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2003 و8 ديسمبر/ كانون الأول 2003م بما أن المجلس لم يبحث بناء الجدار، ولم يتبن أي قرار في ذلك الخصوص. وبالتالي،  فإن المحكمة ترى أن المجلس، ولغاية 8 ديسمبر/ كانون الأول، 2003م لم يدرس مجدداً التصويت السالب الذي تم في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2003م.

وعقب ذلك، وخلال تلك الفترة تمت الدعوة مجدداً وأصولاً لعقد الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة، وكان بالإمكان أن تكون مسؤولة بموجب القرار 377 (V)، عن القضية المطروحة حالياً أمام المحكمة.

31.  وتؤكد المحكمة أيضاً أنه، وفي سياق هذه الجلسة الخاصة الطارئة، تستطيع الجمعية العامة تبني أي قرار يقع ضمن إطار الموضوع الذي صدرت من أجله الدعوة لعقد الجلسة، أو ضمن صلاحياتها بما في ذلك قرار السعي لاستصدار رأي المحكمة، ومما لا صلة له بالموضوع في ذلك الصدد إنه لم يتم تقديم اقتراح لمجلس الأمن لطلب مثل ذلك الرأي.

32.  وبالتحول الآن إلى المخالفات الإجرائية الأخرى في الجلسة الخاصة الطارئة العشرة، لا ترى المحكمة أن طابع تلك الجلسة، ولا سيما حقيقة أن الدعوة لعقدها تمت في إبريل/ نيسان 1997م وأعيدت الدعوة لعقدها 11 مرة منذ ذلك الوقت، لها أي صلة في ما يتعلق بصحة الطلب الذي تقدمت به الجمعية العامة. وتلاحظ المحكمة في ذلك الصدد أن الجلسة الخاصة الطارئة السابعة للجمعية العامة التي تمت الدعوة لعقدها في 22 يوليو/تموز 1980م أعيدت الدعة لعقدها لاحقا أربع مرات (في 20ابريل 1980م و25 يونيو/حزيران 1982 و16 أغسطس/ آب 1982م و24 سبتمبر/ أيلول 1982م) وإن صحة مشاريع قرارات الجمعية، أو قراراتها المتبناة في ظل تلك الظروف لم يكن مشكوكا فيها أبداً. ولم يكن هناك شك أيضاً في صحة أي مشاريع قرارات مسبقة تم تبينها خلال الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة.

33.  وتلاحظ المحكمة أيضاً قانون إسرائيل القائل أن إعادة الدعوة لعقد الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة غير صحيح تكون الجلسة العادية للجمعية العامة في حالة انعقاد، وترى المحكمة إنه على الرغم من أن عقد الجمعية العامة جلسة طارئة وأخرى عادية في آن واحد ربما لا يكون صحيحاً، إلا أنه لم يتم تحديد قاعدة من قواعد المنظمة يمكن أن يؤدي عقد الجلستين المذكورتين في آن واحد إلى انتهاكها وبالتالي إلى إبطال القرار الذي يتبنى الطلب الحالي الخاص بالرأي الاستشاري.

34.  وأخيراً، يبدو أن الدعوة لعقد الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة تمت وفقاً للقاعدة 9 (ب) من قواعد إجراءات الجمعية العامة، وإن الاجتماعات ذات الصلة تمت الدعوة لها بمقتضى القواعد المعمول بها. وكما أوضحت المحكمة في رأيها الاستشاري المؤرخ 21 يونيو/حزيران 1971م الخاص بالتبعات القانونية على الدول جراء استمرار وجود جنوب أفريقيا في ناميبيا (جنوب غرب أفريقيا) على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 276 (1970م) إن قرار هيئة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة تم تشكيلها على نحو صحيح وأجيز طبقاً لقواعد إجراءات تلك الهيئة، وأعلنه رئيسها باعتبارها قراراً مجازاً يجب أن يفترض على أنه قد تم تبنيه على نحو صحيح.

(تقارير محكمة العدل الدولية 1971م الصفحة 22، الفقرة 20). وفي ضوء ما سبق، لا تستطيع المحكمة أن ترى أي سبب لاستبعاد ذلك الافتراض في القضية الحالية.

35.  تتحول المحكمة الآن إلى موضوع آخر ذي صلة بالاختصاص القضائي في الإجراءات الحالية وتحيداً الرأي القائل إن طلب الجمعية العامة رأياً استشارياً ليس قضية قانونية ضمن مدلول المادة 96، الفقرة "ا" من قانون المحكمة، وقد رؤي في هذا الصدد أنه لكي يشكل سؤال ما قضية قانونية لأغراض هذين الشرطين يجب أن يكون محدداً على نحو معقول، بما أنه لن يكون مؤهلاً خلافاً لذلك لإصدار رد من المحكمة بشأنه. وبالنسبة للطلب المقدم في الإجراءات الاستشارية الحالية، قيل إن من غير الممكن تحديد المدلول القانوني بتأكيد معقول للسؤال المطروح على المحكمة لسببين:

الأول: هو أن السؤال المتعلق "بالتبعات القانونية" لبناء الجدار يسمح فقط بتفسيرين محتملين يؤدي كل واحد منهما لطريقة تصرف مستبعدة بالنسبة للمحكمة. ويمكن أولاً تفسير السؤال المطروح كطلب للمحكمة لتجد أن بناء الجدار غير قانوني وتعطي رأيها بعد ذلك حول التبعات القانونية لعدم القانونية المشار إليها.

وفي هذه القضية رؤي أن على المحكمة أن ترفض الرد على السؤال المطروح لعدة أسباب يتعلق بعضها بالاختصاص القضائي، وبعضها الآخر بموضوع الملائمة وفي ما يتعلق بالاختصاص القضائي، قيل أنه إذا كانت الجمعية العامة ترغب في الحصول على رأي المحكمة حول القضية المعقدة والبالغة الحساسية الخاصة بقانونية بناء الجدار، فينبغي السعي صراحة للحصول على رأي بشأن ذلك الموضوع "قارن: تبادل السكان اليونانيين والأتراك، الرأي الاستشاري، 1925م بيه. سي. آي. جيه، السلسلة "ب" الرقم 10 الصفحة 17. وقد قيل أن التفسير الثاني المحتمل للطلب هو أنه يتعين على المحكمة أن تفترض أن بناء الجدار غير قانوني ثم تعطي رأيها بعد ذلك حول التبعات القانونية لعدم القانونية المفترض، وقد رؤي أنه ينبغي على المحكمة أن ترفض أيضاً الرد على السؤال استناداً إلى هذه الفرضية بما أن الطلب عندئذ سيستند إلى افتراض قابل للشك فيه وسيكون من المستحيل في تلك الحال استبعاد التبعات القانونية لعدم القانونية من دون تحديد طبيعة عدم القانونية المشار إليها.  

وثانيا: رؤي إن السؤال المطروح على المحكمة ليس له طابع قانوني بسبب غموضه وطبيعته النظرية، وقد قيل تحديدا في هذا الصدد أن السؤال لا يحدد ما إذا كانت المحكمة مطلوب منها توجيه التبعات القانونية إلى الجمعية العامة إلى جهاز آخر تابع للأمم المتحدة "أم" الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "أم" إسرائيل أم فلسطين أم كيان يضم الجهات المذكورة أعلاه أم لكيان آخر.

36.  وفي ما يتعلق بزعم عدم وضوح شروط طلب الجمعية العامة، وتأثيره على الطبيعة القانونية للسؤال المحال إلى المحكمة، تلاحظ المحكمة أن هذا السؤال متعلق بالتبعات القانونية الناتجة عن وضع محدد في ضوء أحكام ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك معاهدة جنيف الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب الموقعة بتاريخ 12 أغسطس/آب 1949م (يشار إليها في مايلي "ب" معاهدة جنيف الرابعة).

والقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة. وبالتالي، فإن السؤال المقدم من الجمعية إذا شئنا استخدام عبارة المحكمة في رأيها الاستشاري حول الصحراء الغربية صيغ بلغة القانون ويتناول مشكلات القانون الدولي. وإن هذا السؤال وبحكم طبيعته يتطلب إجابة تستند إلى القانون، وبرأي المحكمة أن للسؤال طابعاً قانونياً (انظر الصحراء الغربية، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1975 الصفحة 18 الفقرة 15).

37.  توضح المحكمة إن عدم الوضوح في صياغة سؤال لا يحرم المحكمة من الاختصاص القانوني، وبالأحرى، إن عدم الوضوح هذا سيتطلب توضيحاً في التفسير وقد قدمت المحكمة على نحو متكرر تلك التوضيحات الضرورية للتفسير.

وفي الماضي، لاحظت المحكمة الدائمة والمحكمة الحالية في بعض القضايا إن صياغة طلب رأي استشاري لم توضح بدقة السؤال الذي تم السعي للحصول على رأي المحكمة بشأنه (تفسير الاتفاقية اليونانية التركية المؤرخة أول ديسمبر 1926م البرتوكول النهائي، المادة (4)، الرأي الاستشاري 1928م، محكمة العدل الدولية الدائمة، السلسلة "ب" رقم 16(1)، الصفحات 14 إلى 16، أو لم يتوافق مع السؤال القانوني الحقيقي. الذي يجري بحثه تفسير اتفاقية 25 مارس/آذار 1951بين منظمة الصحة العالمية ومصر، الرأي الاستشاري تقارير محكمة العدل الدولية 1980، الصفحات 87 إلى 89، الفقرات 34 إلى 36، ولاحظت المحكمة في قضية واحدة أن السؤال المطروح أمام المحكمة صيغ على نحو غير مناسب واتسم بالغموض (طلب مراجعة الحكم 273 الصادر عن المحكمة الإدارية التابعة للأمم المتحدة، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1982، الصفحة 348 الفقرة 46).

ونتيجة لذلك، طلب من المحكمة في كثير من الأحيان توسيع وتفسير وإعادة صياغة الأسئلة المقدمة لها (انظر الآراء الثلاثة المذكورة أعلاه، وأنظر أيضاً جاور زينة، الرأي الاستشاري 1932، محكمة العدل الدولية الدائمة، السلسلة ب، الرقم 8 "إمكانية قبول جلسات مقدمي العرائض من قبل اللجنة الخاصة بجنوب غرب أفريقيا، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1956، الصفحة 25" نفقات بعينها من الأمم المتحدة (المادة 17، الفقرة 2 من الميثاق)، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1962، الصفحات 157 و 162).

وفي الحالة الحاضرة، يتعين على المحكمة أن تقوم بما قامت به كثيراً في الماضي وتحديداً توضيح المبادئ والأحكام القائمة وتفسيرها وتطبيقها، وبالتالي تقديم إجابة على السؤال المطروح لتستند إلى القانون (قانونية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها، تقارير محكمة العدل الدولية 1996م، الصفحة 234 الفقرة13).

38.  وفي الحالة الحاضرة، وإذا طلبت الجمعية العامة من المحكمة بيان "التبعات القانونية" الناشئة عن بناء الجدار، فإن استخدام هذه الاصطلاحات يتضمن بالضرورة تقييماً لما إذا كان ذلك البناء أم لم يكن إخلالاً بأحكام ومبادئ بعينها في القانون الدولي. وهكذا، فالمطلوب أولاً من المحكمة أن تحدد ما إذا كانت الأحكام والمبادئ لا تزال عرضة للانتهاك جراء بناء الجدار بطول المسار المحدد له.

39.  لا ترى المحكمة أن ما يشار إليها كطبيعة نظرية للسؤال المطروح عليها يثير قضية الاختصاص القضائي. وحتى عندما أثير الأمر كموضوع ملائمة بدلاً من موضوع اختصاص قضائي، في القضية المتعلقة بقانونية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها، رأت المحكمة أن القول بأنه يتعين عليها عدم التعامل مع سؤال صيغ بعبارات نظرية هو تأكيد محض يخلو من أي تبرير وأنه يجوز للمحكمة أن تعطي رأياً استشارياً حول أي سؤال قانوني سواء كان نظرياً أو خلافه (تقارير محكمة العدل الدولية 1996 (1)، صفحة 236، الفقرة 15 التي تشير إلى شروط قبول دولة في عضوية الأمم المتحدة (المادة 4 من الميثاق)، الرأي الاستشاري 1948، تقارير محكمة العدل الدولية 1947، 1948 الصفحة 61 تأثير قرارات التعويض التي اتخذتها المحكمة الإدارية التابعة للأمم المتحدة، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1954، الصفحة 51، والتبعات القانونية على الدول جراء استمرار وجود جنوب إفريقيا في ناميبيا (جنوب غرب أفريقيا) على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 276 (1970)، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1971، الصفحة 27، الفقرة 40). وعلى أي حال، ترى المحكمة أن السؤال المقدم إليها في ما يتعلق بالتبعات القانونية لبناء الجدار ليس سؤالاً نظرياً، ويتعين على المحكمة تحديد الجهات المتأثرة بتلك التبعات.

40.  وعلاوة على ذلك، لا تستطيع المحكمة قبول الرأي الذي تم تقديمه خلال الإجراءات الحالية والذي يقول أنها لا تتمتع بالاختصاص القضائي بسبب الطابع السياسي للسؤال المطروح، وكما يتضح من اختصاص المحكمة القائم منذ زمن بعيد حول هذه النقطة، ترى المحكمة أن السؤال القانوني له أيضاً جوانب سياسية.

كما هو الحال، وفي طبيعة الأشياء، في كثير من الأسئلة التي تثار في الحياة الدولية، ولا يكفي لحرمان السؤال من كونه "سؤالاً قانونياً" وحرمان المحكمة من صلاحية مخولة إياها بموجب قانونها السياسي (طلب مراجعة الحكم رقم 158 الصادر عن المحكمة الإدارية للأمم المتحدة، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1973، الصفحة 172 الفقرة 14). وأياً كانت جوانبه السياسية، لا تستطيع المحكمة أن ترفض قبول الطابع القانوني لسؤال يدعوها لتولي مهمة قضائية أساساً وتحديداً تقييم قانونية سلوك محتمل للدول في ما يتعلق بالالتزامات المفروضة عليها بموجب القانون الدولي (قارن: شروط قبول دولة في عضوية الأمم المتحدة (المادة 4 من الميثاق)، الرأي الاستشاري 1948، تقارير محكمة العدل الدولية 1947،1948 الصفحتين 61 و62، صلاحية الجمعية العامة لقبول دولة في الأمم المتحدة، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1950، الصفحتين 6 و7. نفقات بعينها على الأمم المتحدة (المادة 17، الفقرة 2 من الميثاق، الرأي الاستشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1962، الصفحة 155) (قانونية التهديد بالأسلحة النووية أو باستخدامها، تقارير محكمة العدل الدولية 1996 (1) الصفحة 234، الفقرة 13).

وفي رأيها الخاص بتفسير الانتقالية المؤرخة 25 مارس/ آذار 1951 بين منظمة الصحة العالمية ومصر أكدت المحكمة أنه في الأوضاع التي تكون فيها الاعتبارات السياسية سائدة ربما يكون ضرورياً على نحو خاص لمنظمة دولية أن تحصل على رأي استشاري من المحكمة في ما يتعلق بالمبادئ القانونية المعمول بها بالنسبة للموضوع قيد النقاش (تقارير محكمة العدل الدولية 1996 (1) الصفحة 234، الفقرة 13). وترى المحكمة أنه لا يوجد عنصر في الإجراءات الحالية يمكن أن يدفعها إلى التوصل لنتيجة أخرى.

41.  تتمتع المحكمة بالتالي بالاختصاص القضائي لإعطاء الرأي الاستشاري المطلوب بموجب القرارES-10/14 الصادر عن الجمعية العامة.

42.  اعترض البعض من خلال الوقائع الحالية بالقول إنه ينبغي على المحكمة أن تمتنع عن ممارسة صلاحيتها القضائية بسبب وجود جوانب معينة في طلب الجمعية العمومية من شأنها أن تفسر الصلاحية القضائية للمحكمة بأنها غير ملائمة ولا تنسجم مع الوظيفة القضائية للمحكمة.

43.  ذكرت المحكمة مرات عديدة في الماضي أن المادة 65 فقرة (1)، من نظامها الأساسي التي تنص على أن المحكمة يمكن أن تعطي رأياً استشارياً (مع التشديد على كلمة يمكن)، ينبغي تفسيرها بأنها تعني أن للمحكمة سلطة اجتهادية تخولها الامتناع عن إعطاء رأي استشاري حتى مع تلبية شروط سلطتها القضائية (شرعية التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها، رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1996 (I)، صفحة 234 فقرة 14).

ولكن المحكمة واعية لحقيقة أن ردها على طلب للحصول على رأيه الاستشاري "يمثل مشاركتها في نشاطات المنظمة، ولا ينبغي رفضه من حيث المبدأ" (تفسير معاهدات السلام مع بلغاريا، هنغاريا، ورومانيا، المرحلة الأولى، رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1950، صفحة 71، انظر كذلك، على سبيل المثال، الاختلاف المتعلق بالحصانة عن العملية القانونية لمبعوث خاص للجنة حقوق الإنسان، رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1999 (I)، ص 78و 79، فقرة 29). والمحكمة، مع الأخذ في الاعتبار مسؤوليتها باعتبارها الأداة القضائية الأساسية للأمم المتحدة (مادة92 من الميثاق)، ينبغي عليها من حيث المبدأ، ألا تتقاعس عن إعطاء رأي استشاري. وانسجاماً مع فلسفتها التشريعية الثابتة، فإن "الأسباب القاهرة" فقط تؤدي بالمحكمة إلى أن تحجب رأيها.

تكاليف معينة للأمم المتحدة (مادة 17 فقرة 2 من الميثاق، رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1962، ص155 انظر كذلك، على سبيل المثال، الاختلاف المتعلق بالحصانة عن العملية القانونية لمبعوث خاص للجنة حقوق الإنسان، رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1999(I)، ص 78 و79 فقرة 29).

لم يسبق للمحكمة الحالية أبداً، في ممارسة هذه السلطة الاجتهادية، إن امتنعت عن الاستجابة لطلب رأي استشاري. وكان قرارها بعدم إعطاء رأي استشاري حول (استخدام إحدى الدول أسلحة نووية في صراع مسلح)، الذي طلبته منظمة الصحة العالمية، مبنياً على افتقار المحكمة إلى السلطة القضائية، لا على اعتبارات الأهلية القضائية (انظر تقارير محكمة العدل الدولية 1999(I)،ص 235 فقرة 14). وفي مناسبة واحدة فقط ارتأت سلف محكمة العدل الدولية، وهي (المحكمة الدائمة للعدل الدولي)، أنه ينبغي عليها ألا ترد على طلب تقدم إليها (وضع كاريليا الشرقية، رأي استشاري 1923، المحكمة الدائمة للعدل الدولي سلسلة ب، عدد 5)، ولكن ذلك يعود إلى:

لظروف الخاصة التي كان من بينها أن المسألة تتعلق بشكل مباشر بصراع قائم فعلاً، إحدى الدول الأطراف فيه، التي لم تكن عضواً في النظام الأساسي للمحكمة الدائمة، ولا عضواً في عصبة الأمم، اعترضت على وقائع المحكمة ورفضت المشاركة بأي طريقة (شرعية التهديد باستعمال الأسلحة النووية، واستعمالها، تقارير محكمة العدل الدولية 1996، ص 235 و236، فقرة 14).

44. هذه الاعتبارات لا تعفي المحكمة من واجب الوفاء بشروطها، في كل مرة تطالب بإعطاء رأي، من ناحية صلاحيتها لممارسة وظيفتها القضائية، بالإشارة إلى معيار (الأسباب القاهرة)، ويجب على المحكمة بناء على ذلك أن تتفحص بدقة وعلى ضوء فلسفتها التشريعية كل واحدة من الحجج المقدمة إليها بهذا الخصوص.

45.  أولى الحجج المماثلة لهه تتعلق بأن المحكمة لا ينبغي أن تمارس صلاحيتها في القضية الحالية لأن الطلب يتعلق بمسألة شائكة بين إسرائيل وفلسطين، لم تقبل إسرائيل فيها بممارسة المحكمة صلاحيتها وحسب وجهة النظر هذه، فإن موضوع بحث المسألة التي تعرضها الجمعية العمومية جزء مكمل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأشمل الذي يتعلق بمسائل الإرهاب، والأمن، والحدود، والمستوطنات، والقدسي، وغيرها من القضايا ذات العلاقة.

وقد أكدت إسرائيل أنها لم تقبل أبداً بتسوية هذا الصراع الأشمل من قبل المحكمة، أو من قبل أي وسيلة أخرى من وسائل فرض الأحكام القضائية، وعلى العكس تحتج بأن الأطراف اتفقت بصورة متكررة على أن هذه القضايا ينبغي تسويتها بالتفاوض، مع إمكانية أن يؤول الأمر إلى التحكيم. وبناء على ذلك يجادل بالقول أن المحكمة ينبغي أن تتجنب إعطاء الرأي الحالي، على أساس أمور من بينها سابقة قرار (المحكمة الدائمة للعدل الدولي) بشأن وضع كاريليا الشرقية (التي كانت محل نزاع بين روسيا وفنلندا المترجم).

46.  تراعي المحكمة أن غياب الاتفاق على اختصاصات المحكمة المثيرة للخلاف بين الدول المعنية، ليس له تأثير على اختصاص المحكمة في إعطاء رأي استشاري. ففي رأي استشاري سنة 1950م أوحت المحكمة أن:

رضا الدول التي هي أطراف في نزاع ما، هو أساس اختصاص المحكمة في القضايا الشائكة. والأمر يختلف فيما يتعلق بالإجراءات الاستشارية حتى يكون طلب الرأي متعلقاً بمسألة قانونية معلقة بين الدول في واقع الأمر، وليس لرد المحكمة سوى صفة استشارية: وعليه فليس لديه قوة الإلزام، ويتبع ذلك، أنه ما من دولة، سواء كانت عضواً في الأمم المتحدة أم لم تكن، تستطيع أن تمنع إعطاء رأي استشاري، تعتبره الأمم المتحدة مرغوباً فيه لأجل الحصول على تبصره فيما يتعلق بمسار الإجراء الذي ينبغي عليها اتخاذه.

ورأي المحكمة لا يعطي للدول، بل للأداة المخولة طلبه، ورد المحكمة، التي هي نفسها "أداة من أدوات الأمم المتحدة"، يمثل مشاركتها في نشاطات المنظمة، وينبغي عدم رفضه من حيث المبدأ. (تفسير معاهدات السلام مع بلغاريا، وهنغاريا، ورومانيا، المرحلة الأولى، رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1950، صفحة 24، فقرة 31).

يتبع ذلك، أن المحكمة، في تلك الوقائع، لم ترفض الاستجابة لطلب إصدار رأي استشاري على أساس أنها، في تلك الظروف الخاصة تفتقر إلى السلطة القضائية. ولكن المحكمة تفحصت معارضة دول معينة من قبل الجمعية العمومية في سياق قضايا اللياقة القضائية.

وفي معرض التعليق على قرارها لسنة 1950م، شرحت المحكمة في رأيها الاستشاري المتعلق بالصحراء الغربية أنها كانت ولذلك قد اعترفت بأن غياب الرضا قد يشكل أساساً للامتناع عن إعطاء الرأي المطلوب، إذا كانت اعتبارات اللياقة القضائية ستجبر المحكمة على رفض الرأي ضمن ظروف حالة معينة وتابعت المحكمة القول: (في ظروف معينة.. قد يجعل غياب رضا دولة معينة إعطاء رأي استشاري غير متلائم مع الشخصية القضائية للمحكمة، وتنشأ مثل هذه الحالة عندما تكشف الظروف أن إعطاء جواب سيكون له أثر الالتفاف على المبدأ الذي يقول أن أي دولة ليست مضطرة إلى السماح بعرض نزاعات للتسوية القضائية من دون رضاها)، (الصحراء الغربية، تقارير محكمة العدل الدولية 1975، ص25، الفقرتان 32 و33).

في تطبيق ذلك المبدأ على الطلب المتعلق بالصحراء الغربية، وجدت المحكمة أن تناقضاً قانونياً موجود فعلاً ولكنه تناقض نشأ أثناء مداولات الجمعية العمومية، وفيما يتعلق بالمسائل التي كانت الجمعية تتعامل معها. ولم ينشأ بشكل مستقل في علاقات ثنائية (المرجع السابق ص25، فقرة 34).

47.  فيما يتعلق بطلب الرأي الاستشاري المعروض على المحكمة الآن، تعترف المحكمة بأن إسرائيل وفلسطين عبّرتا عن آرائها المختلفة اختلافاً جذرياً في العواقب القانونية المترتبة على بناء إسرائيل للجدار، الذي طلب من المحكمة أن تصدر حكمها فيه. ولكن المحكمة ذاتها لاحظت أن "الخلافات في وجهات النظر.. في القضايا القانونية، كانت موجودة في واقع الأمر في كل إجراء استشاري" (العواقب القانونية لحالات استمرار وجود جنوب أفريقيا في ناميبيا (جنوب غرب أفريقيا) على الرغم من قرار مجلس الأمن رقم 273 (1970م) رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1971، ص24، فقرة 34).

48.  علاوة على ذلك، لا تعتبر المحكمة أن موضوع بحث طلب الجمعية العمومية يمكن اعتباره مجرّد مسألة ثنائية بين إسرائيل وفلسطين. ومع أخذ سلطات ومسؤوليات الأمم المتحدة في الاعتبار، في المسائل التي تتعلق بالسلام والأمن العالميين، فإن رأي المحكمة هو أن بناء الجدار يجب اعتباره محط اهتمام مباشر للأمم المتحدة. وتتبع مسؤولية الأمم المتحدة في هذه المسألة من الانتداب وقرار التقسيم المتعلق بفلسطين (انظر الفقرتين 70،71 فيما يلي).

وقد وصفت هذه المسؤولية من قبل الجمعية العمومية بأنها مسؤولية دائمة على نحو المسألة الفلسطينية حتى حين حلّ هذه المسألة في جميع جوانبها بطريقة مرضية بالانسجام مع الشرعية الدولية (قرار الجمعية العمومية 57/107 في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2002م).

وضمن الإطار المؤسسي للمنظمة، تجلت هذه المسؤولية في تبني العديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية، وفي إيجاد الكثير من هيئات الإعانة التي أنشأت خصيصاً للمساعدة في تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني التي لا يمكن تحويله لغيره.

49.  الهدف من الطلب المقدم إلى المحكمة، هو الحصول منها على رأي تعتبره الجمعية العمومية مساعداً لها في ممارسة وظائفها على نحو ملائم. والرأي مطلوب في مسألة تحوز على الاهتمام الشديد بوجه خاص من قبل الأمم المتحدة، وتقع ضمن إطار مرجعي أوسع بكثير من نزاع ثنائي. وفي هذه الظروف، لا تعتبر المحكمة إن إعطاء رأي سيكون له أثر على الالتفاف على مبدأ الرضى بتسوية قضائية، وإن المحكمة لا تستطيع بناء على ذلك، في ممارسة سلطتها القضائية، أن ترفض إعطاء رأي على ذلك الأساس.

50.  تتحول المحكمة الآن إلى حجة أخرى ترفع في المداولات الحالية دعماً لوجهة النظر التي تقول أنه ينبغي عليها الامتناع عن ممارسة اختصاصها. وقد حاجج بعض المشاركين بأن الرأي الاستشاري من المحكمة بشأن شرعية الجدار والعواقب القانونية لبنائه قد يعيق التوصل إلى حل سياسي متفاوض عليه للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وعلى نحو أكثر تحديداً اعترض على أن مثل ذلك الرأي يمكن أن يقوض خطة خريطة الطريق" (انظر الفقرة 22أعلاه)، التي تطالب إسرائيل وفلسطين بتلبية التزامات معينة في مراحل مختلفة مشار إليها في الخطة. وقد زعم أن الرأي المطلوب في بعقد المفاوضات المتصورة في "خريطة الطريق"، ولذلك ينبغي على المحكمة أن تمارس صلاحياتها وترفض الرد على السؤال المطروح.

وهذا طرح من النوع الذي اضطر المحكمة حتى الآن إلى التفكير فيه مرات عديدة في الماضي. على سبيل المثال، في رأيها الاستشاري حول (شرعية التهديد باستعمال الأسلحة النووية، أو استعمالها) ذكرت المحكمة:

"طرح أن.. صدور ردّ من المحكمة في هذه القضية قد يؤثر عكسياً على مفاوضات نزع السلاح، وأنه من ثّم، سيكون مناقضاً لمصلحة الأمم المتحدة. والمحكمة على علم بأن استنتاجاتها التي تتوصل إليها في أي رأي نعطيه، ستكون ذات علاقة بالجل المتواصل حول المسألة في الجمعية العمومية، وسوف تقدم عاملاً إضافياً في المفاوضات بشأن هذه المسألة. وأبعد من ذلك، فإن أثر الرأي مسألة تفهّم وتقدير. فقد استمعت المحكمة للمواقف المتناقضة التي تم تقديمها، ولا توجد معايير واضحة يمكن لها بواسطتها أن تفضّل تخميناً على غيره". (تقارير محكمة العدل الدولية 1996 (I)، ص 237فقرة 18؛ انظر كذلك الصحراء الغربية، تقارير محكمة العدل الدولية 1975، ص 37 فقرة 73).

51.  أشار أحد المشاركين في المداولات الحالية إلى أن المحكمة، إذا كانت ستعطي رداً على الطلب، ينبغي عليها في كل الأحوال أن تفعل ذلك وهي تصنع في ذهنها جانبين رئيسيين من جوانب عملية السلام: الأول هو المبدأ الأساسي الذي يقول أن قضايا الوضع الدائم يجب حلها من خلال المفاوضات؛ وحاجة جميع الأطراف خلال الفترة الانتقالية، إلى القيام بمسؤولياتها الأمنية، بحيث يمكن لعملية السلام أن تنجح.

52.  تعي المحكمة أن "خارطة الطريق" التي صادق عليها مجلس الأمن في القرار 1515 (2003م) (انظر الفقرة 22 أعلاه)، تشكل إطاراً تفاوضياً لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكنّه ليس واضحاً ما هو التأثير الذي سيكون لرأي المحكمة على هذه المفاوضات فقد عبر المشاركون في المداولات الحالية عن وجهات نظر متعارضة بهذا الخصوص. ولا تستطيع المحكمة اعتبار هذا العمل سبباً قاهراً للتخلي عن ممارسة سلطتها.

53.  طرح مشاركون معينون كذلك على المحكمة أن مسألة بناء الجدار كانت جانباً واحداً فقط من جوانب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي لا يمكن تناوله على نحو ملائم في المداولات الحالية، ولكن المحكمة لا تعتبر ذلك سبباً يحفزها إلى الامتناع عن الرد على السؤال المطروح. والمحكمة تعلم حقاً بأن مسألة الجدار، جزء من كل أكبر، وسوف تأخذ هذا الظرف بعين الاعتبار وبعناية في أي رأي قد تعطيه. وفي الوقت ذاته، فإن السؤال الذي اختارت الجمعية العمومية لبناء الجدار، وستكتفي المحكمة بتفحص القضايا الأخرى بقدر ما هي ضرورية لدراستها للسؤال المطروح عليها.

54.  طرح كثيرون من المشاركين في المداولات الحجة الأخرى وهي أنه ينبغي على المحكمة أن تمتنع عن ممارسة اختصاصها لأنها لا تملك تحت تصرفها الحقائق والأدلة اللازمة لكي تتوصل
إلى استنتاجاتها وبوجه خاص، اعترضت إسرائيل، مشيرة إلى الرأي الاستشاري الخاص بتفسير معاهدات السلام مع بلغاريا وهنغاريا ورومانيا، وقالت إن المحكمة لا تستطيع إعطاء رأي في القضايا التي تثير الحقائق التي لا يمكن توضيحها من دون الاستماع إلى جميع أطراف النزاع. وطبقا لما تقوله إسرائيل، إذا قررت المحكمة أن تعطي الرأي المطلوب، فسوف تكون مضطرة إلى التأمل في حقائق أساسية، وإجراء افتراضات بشأن حجج قانونية، وبتحديد أكثر، جاءت إسرائيل بالقول أن المحكمة لا تستطيع الحكم في النتائج القانونية لبناء الجدار من دون البحث والتقصي، أولاً، في طبيعة ومدى الخطر الأمني الذي يستهدف الدار الاستجابة له، وفاعلية تلك الاستجابة. وثانياً، في أثر بناء الجدار على الفلسطينيين، وهذه المهمة التي ستكون حتى الآن صعبة في قضية مشاكسة، ستكون معقدة على نحو إضافي في إجراء استشاري. بخاصة وأن إسرائيل وحدها تملك معظم المعلومات الضرورية، وأنها ذكرت أنها اختارت أن لا تتناول الاستحقاقات، واستنتجت إسرائيل كذلك أن المحكمة، التي تواجه قضايا تتعلق بالحقائق يستحيل استجلائها في المداولات الحالية, ينبغي عليها أن تستخدم تعقّلها وتمتنع عن الامتثال لطلب مثل هذا الرأي الاستشاري.

55.  ترى المحكمة أن مسألة ما إذا كان الدليل المتوفر لديها كافياً لإعطاء رأي استشاري يجب أن تتقرر في كل حالة بعينها. وفي رأيها فيما يخص تفسير معاهدات السلام مع بلغاريا، وهنغاريا ورومانيا (تقارير محكمة العدل الدولية 1950، ص72) ومرة أخرى في رأيها بخصوص الصحراء الغربية، وأوضحت المحكمة أن ما هو حاسم في هذه الظروف هو ما إذا كان معروضاً على المحكمة معلومات وأدلة كافية تمكنها من التوصل إلى نتيجة قضائية بشأن أي مسائل تتعلق عليها بالحقائق، والبت فيه ضروري لمحكمة كي تعطي رأياً في ظروف تتوافق مع شخصيتها القضائية (الصحراء الغربية، تقارير محكمة العدل الدولية 1975، ص28،29 فقرة 46)، ولذلك على سبيل المثال، في المرافعات التي تخص الوضع القانوني لكاريليا الشرقية، قررت المحكمة الدائمة للعدل الدولي أن تمتنع عن إعطاء رأي لأسباب من بينها أن المسألة المطروحة أثارت مسألة تتعلق بحقائق لم يمكن ممكناً تفسيرها من دون الاستماع إلى كلا الطرفين (تفسير معاهدات السلام مع بلغاريا، وهنغاريا ورومانيا، تقارير محكمة العدل الدولية 1950، ص 72 انظر وضع كاريليا الشرقية، المحكمة الدائمة للعدل الدولي، سلسلة ب، عدد 5، ص28)، ومن ناحية أخرى، في الرأي المتعلق بالصحراء الغربية، رأت المحكمة أنها زودت بأدلة وثائقية شاملة جداً، تتعلق بالحقائق ذات الصلة (تقارير محكمة العدل الدولية 1975، ص 29، فقرة 47).

56.  في الحالة الحالية، يتوفر لدى المحكمة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وملف ضخم مقدم من قبله إلى المحكمة، لا يحتوي وحسب على معلومات مفصلة عن مسار الجدار، بل وعن تأثيره الإنساني والاقتصادي الاجتماعي على السكان الفلسطينيين، ويتضمن الملف تقارير عديدة قائمة على زيارات للموقع قام بها مبعوثون خاصون وهيئات مؤهلة تابعة للأمم المتحدة، كما قدم الأمين العام إلى المحكمة بياناً مكتوباً يحدث ما ورد في تقريره، ويرفق المعلومات المتضمنة بخصوص هذه المسألة. ويضاف إلى ذلك أن مشاركين آخرين عديدين قدموا إلى المحكمة بيانات مكتوبة تشتمل على معلومات ذات صلة بالرد على السؤال الذي طرحته الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وتلاحظ المحكمة بوجه خاص أن بيان إسرائيل المكتوب، رغم أنه مقصور على قضايا الاختصاص القضائي والأهلية القضائية، تضمن ملاحظات عن مسائل أخرى، من بينها مخاوف، إسرائيل فيما يتعلق بالأمن، وكان مرفقاً به ملاحق مشابهة، والعديد من الوثائق الأخرى التي أصدرتها الحكومة الإسرائيلية بشأن هذه المسائل في المجال العام.

57.  تجد المحكمة أن لديها معلومات وأدلة كافية تمكنها من إعطاء الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العمومية، وفضلاً عن ذلك، فإن واقعة أن الآخرين قد يقدمون هذه الحقائق ويفسرونها بطريقة ذاتية، أو سياسية لا يمكن أن تكون حجة تجعل محكمة قانونية تتخلى عن مهمتها القضائية، ولذلك، فإنه لا يوجد في القضية الحالية افتقار إلى المعلومات يشكل سبباً قاهراً يجعل المحكمة تمتنع عن إعطاء الرأي المطلوب.

58.  طرح بعض المشاركين، كذلك في بياناتهم المكتوبة، حجة أن المحكمة ينبغي عليها الامتناع عن إعطاء الرأي المطلوب في العواقب القانونية لبناء الجدار لأن مثل هذا الرأي سيكون مفتقرا إلى أي غرض مفيد. وحاجوا بالقول أن الآراء الاستشارية للمحكمة يجب أن اعتبارها وسيلة لتمكين هيئة،
أو وكالة بحاجة إلى توضيح قانوني لعملها المستقبلي، من الحصول على ذلك التوضيح. وتتابع هذه الحجة القول، أنه في القضية الحالية لن تكون الجمعية العمومية بحاجة إلى رأي من المحكمة لأنها قد أعلنت من قبل أن بناء الجدار غير شرعي، وحددت من قبل العواقب القانونية بمطالبة إسرائيل بوقف البناء وهدم الجدار، ولأن الجمعية العمومية أيضاً لم توضح أبداً كيف تنوي أن تستفيد من الرأي.

59.  كما هو واضح من قوانين المحكمة، فإن غرض الآراء الاستشارية هو تزويد الهيئات التي تطلبها بالقوانين اللازمة لها في عملها. وفي رأيها الخاص "بالتحفظات على الاتفاقية الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها" رأت المحكمة: "أن الغرض من طلب الرأي هذا هو إرشاد الأمم المتحدة فيما يتعلق بعملها (تقارير محكمة العدل الدولية 1951، ص19). وبالمثل، في رأيها المتعلق بالعواقب القانونية المترتبة على الدول جراء استمرار تواجد جنوب أفريقيا في ناميبيا (جنوب غرب أفريقيا) رغم قرار مجلس الأمن 276 (1970)، أشارت المحكمة إلى أن الطلب مقدم من قبل هيئة تابعة للأمم المتحدة بالرجوع إلى قراراتها، وهي تنشد المشورة القانونية من الحكمة بشأن عواقب وأثار هذه القرارات (تقارير محكمة العدل الدولية 1971، ص 24، فقرة 32). وقد وجدت المحكمة في مناسبة أخرى أن الرأي الاستشاري الذي كانت ستعطيه سوف يزود الجمعية العمومية بعناصر ذات صفة قانونية ذات صلة بمعالجتها الإضافية لإزالة الاستعمار عن الصحراء الغربية (الصحراء الغربية، تقارير محكمة العدل الدولية 1975، ص37 فقرة 72).

60.  فيما يتعلق بالجدل الذي دار حول أن الجمعية العامة لم توضح ما هي الفائدة التي تجنيها من الرأي الاستشاري بشأن الجدار، فإن المحكمة تعيد إلى الأذهان، ما له صلة بالإجراءات الراهنة، وهو ما قررته في رأيها حول قانونية التهديد، أو استخدام الأسلحة النووية: لاحظت بعض الدول أن الجمعية العامة لم تفسر بدقة للمحكمة ما هي الأغراض المحددة التي تبتغي لأجلها الرأي الاستشاري. ومع ذلك، فليس للمحكمة ذاتها أن تزعم تقرير ما إذا كانت الجمعية العامة تحتاج أو لا تحتاج إلى الرأي الاستشاري للقيام بوظائفها. وللجمعية العامة الحق في أن تقرر بنفسها مدى نفع أي رأي على ضوء احتياجاتها (تقارير أي سي جي 1996 (1) ص 237 الفقرة 16).

61.  بناء على ذلك، فإن المحكمة لا تستطيع أن تحجم عن الإجابة على السؤال المطروح على أساس أن رأيها يفتقر إلى أي غاية مفيدة. ولا يمكن للمحكمة أن تستبدل تقييمها لمدى فائدة الرأي الملتمس والنفع الذي يعود على الهيئة التي طلبته، ألا وهي الجمعية العامة، وعلاوة على ذلك، وفي كل الأحوال، فإن المحكمة ترى أن الجمعية العامة لم تحسم بعد مسألة جميع النتائج المحتملة لقرارها، وسوف تكون مهمة المحكمة أن تقرر بأسلوب جامع مستوعب النتائج القانونية

والتبعات المترتبة على إقامة الجدار، في حين أن الجمعية العامة ومجلس الأمن يمكنها عندها استنباط النتائج مما توصلت إليه المحكمة.

62.  وأخيراً، سوف تلتفت المحكمة لجدل آخر يدور حول أهليتها لإعطاء رأي استشاري في مجريات الدعاوى الحالية. وادعت إسرائيل أن فلسطين، نظراً لمسؤوليتها عن أعمال العنف وسكانها، والتي يهدف الجدار إلى التصدي لها لا يمكنها أن تلتمس علاجاً لوضع ناجم عن سوء عملها. وفي هذا السياق شهدت إسرائيل بالقاعدة التي تقول أن (ليس لأحد أن يفيد من باطل صدر عنه) والتي تعتبر أن لها من الارتباط بالدعاوى الاستشارية قدر ما لها من صلة بقضايا النزاعات. لذا، فإن إسرائيل تستنتج أن حسن النوايا ومبدأ (الأيدي النظيفة) يشكل سببا وجيها ينبغي أن يقود المحكمة إلى رفض طلب الجمعية العامة.

63.   ولا تعتبر المحكمة أن لهذا الجدل صلة بالقضية المطروحة. وكما جرى تأكيده آنفاً، فإن الجمعية العامة هي التي طلبت الرأي الاستشاري وسوف يعطي هذا الرأي للجمعية العامة، وليس لدولة أو كيان معين.

64.  في ضوء ما تقدم من معطيات تستنتج المحكمة أنها لا تملك الصلاحية القانونية لإعطاء رأي حول قضية التمست الجمعية العامة الرأي الاستشاري فيها فحسب (انظر الفقرة 42 أعلاه)، بل أنه ليس هناك من سبب قاهر يضطرها لاستخدام سلطتها الاجتهادية كي لا تعطي هذا الرأي.

65.  وسوف تتصدى المحكمة الآن للإجابة عن التساؤل المقدم إليها من الجمعية العامة في القرار ES-10/14. وتذكر المحكمة ها هنا أن السؤال جاء على الشكل التالي: