الذكاء الاصطناعي حديث العالم 
تاريخ النشر : 2023-05-23 11:15

كلما فتحنا صحيفة، أو قناة تلفزيونية عالمية، نجد حديث العالم اليوم هو الذكاء الاصطناعي. بين مؤيد يُعدد الإيجابيات، ومُعارض يتخوف من السلبيات.. ونحار أين سيقودنا هذا العِلم الذي يتخطى حدود الخيال. علماً بأن شخصيات معروفة في (سيليكون فالي) طالبت بوقف كل برامج التطوير لمدة ستة أشهر. الخبراء الموقعّون على هذه العريضة طالبوا بوقفها إلى حين اعتماد أنظمة حماية، تتيح تنظيم ومراقبة هذه العمليات وتحليلها. وتتساءل العريضة عن جدوى تطوير (عقول غير بشرية قد تفوقُنا عدداً وتتفوق علينا في النهاية)، وعن خطر فقدان السيطرة عليها. هنا تتجدد الحاجة إلى قوانين دولية توقف هذا التطور المتهور الذي تعيشه أودية السيليكون، وتعمل عليه بسريّة تثير بها فضول الصحافة والإعلاميين المتربصين بكل تجاوز يهدد البشرية.

علماً بأن «اليونيسكو» سبق وأصدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 توصيات بشأن الذكاء الاصطناعي، ونشرت أول معيار عالمي بهذا الشأن. وتم اعتماد هذا المعيار من قبل جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة، وهو حماية حقوق الإنسان والكرامة وهي حجر الزاوية في التوصية، بناءً على النهوض بالمبادئ الأساسية، مثل الشفافية والإنصاف، مع التركيز على أهمية الرقابة البشرية في هذه الأنظمة. ولكن ماذا عن مدى احترام الشركات لذلك؟ لا جواب.. هل هي رغبة تاريخية في النفس البشرية إلى خلق آلة تكون أكثر ذكاء من مُخترعها؟

 لو عدنا في التاريخ لعام 1872 لوجدنا الكثير من الكتّاب والفنانين حاولوا إيجاد تفسير لمفهوم الذكاء الآلي، مثلاً (صموئيل بتلر) الذي خاض في روايته (إريوهن) معركة تنبيه قرائه إلى أن عصر البشرية سينقضي ليحل محله عصر الآلة. وعلى مر الزمان كان الذكاء الاصطناعي حاضراً في الخيال العلمي. وفي عام 1956 تحدث العالم الشهير (جون مكارثي) في المؤتمر الأكاديمي الأول عن السحر الذي يجعل الآلة تنافس الذكاء البشري، وتتفوق عليه. أما عام 1999، فقد كان الحدث الأبرز في الصحافة فيلم (The Matrix) الحكاية التي قدمتها الأختان (وتشاوسكي) ولاقت جماهيرية كبيرة، وكانت من روايات الخيال العلمي..

 تبدأ الرواية بتخيل عام 2090 وقد تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير ليحل محل الإنسان في كل الوظائف، وحدث أن أوصل هذا التطور الآلة إلى أن تقتل مالكها. تقول الرواية هذه الشرارة كانت البداية لحرب اندلعت بين البشر والآليين استمرت لسنوات، حتى انتصر الآليون في النهاية. حقق الفيلم في ذلك الوقت أعلى الإيرادات في هوليوود. وبنى قاعدة جماهيرية كبيرة تراه خيالاً قابلاً للتحقق في ظل التطور التكنولوجي المتسارع. لمَ لا، والكثير من التحول الذي كان يعتبر خيالاً علمياً تحول إلى حقيقة؟ ولو نظرنا إلى ما تحقق في مجال ال(deep learning) (التعلم العميق)، فإن التقنية أعطت الذكاء الاصطناعي القدرة على الاستنباط والتفكير بشكل مستقل وتعليم نفسه بنفسه وتحرره من قيود (الذكاء الاصطناعي الضيق) والذي يعني مجرد برمجة آلة لتقوم بوظيفة معينة من دون تفكير.

 إن (التعلم العميق) هو التطور الذي تسعى إليه الشركات بشكل هستيري، ويخرج عن حدود الضوابط الأخلاقية التي جاءت في توصية اليونيسكو.. لا شك في أن هناك إيجابيات من تطور هذا العِلم، ويرى البعض أن الحبكة الدرامية لفيلم (ذا ماتريكس) فيها الكثير من المبالغة. لكن في العقدين الأخيرين شهد الذكاء الاصطناعي ثورة تخطت توقعات كُتّاب الخيال العلمي. ففي عام 1997 فاز (Deep Blue) وهو عبارة عن حاسوب من شركة IBM على بطل العالم في مباراة الشطرنج ما أثار الرعب في قلوب الكثيرين. وفي عام 2002 ظهر الإنسان الآلي (Roomba) وهو عبارة عن مكنسة تدير نفسها بنفسها. وفي 2010 ظهر الحاسوب (Watson) ويمتاز بمقدرة خارقة تحتاجه الشركات في العمليات الصعبة والتوقعات. ثم اقترب الذكاء الاصطناعي أكثر مع (Siri) الذي أصبح عملاق التكنولوجيا في «أبل» عام 2011 وفي تطور أكبر حصلت الروبوت (صوفيا) على الجنسية السعودية ليكون الحدث الأول الذي يحصل فيه إنسان آلي على صفة قانونية وحقوق بشرية.

  البعض خائف من هيمنة الآلة.. والبعض يُبشر بها لتتولى التفكير عنه.. لكن البعض الطموح يرى أن الذكاء الآلي مهما تطور لن يتفوق على العبقرية البشرية التي هي هِبة إلهية.. ويرى في تطور الآلة حافزاً لتطوير عبقرية البشر، من هنا نبدأ.. أينشتاين قال: الذكاء يأتي لحل المشكلة بعد وقوعها.. العبقرية تحلها قبل وقوعها..
عن الخليج الإماراتية