بينما رأى بعض المؤيدين للحقوق الفلسطينية أن ما جرى في اجتماع اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي يمثل هزيمة، فإنه كان في الواقع انتصارًا. هذه هي تفاصيل ما حدث في الاجتماع، ولماذا أرى أن هناك تقدمًا قد تحقق:
خلال اجتماع لجنة القرارات في الحزب، نوقشت مقترحتان منفصلتان. كلاهما دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية بلا عوائق إلى الفلسطينيين في غزة. لكن أحدهما – الذي قدمه شباب الحزب الديمقراطي – ذهب أبعد من ذلك، إذ أدان الأفعال الإسرائيلية في غزة وطالب بوقف مبيعات السلاح الأمريكي لإسرائيل والاعتراف الأمريكي بالدولة الفلسطينية. في المقابل، قدمت قيادة الحزب مشروعًا بديلاً خاليًا من أي انتقاد للسياسات الإسرائيلية أو دعوة لوقف شحنات السلاح الأمريكية لإسرائيل.
جرت حملات ضغط مكثفة لصالح وضد المقترحين. مجموعات مؤيدة لإسرائيل وبعض المسؤولين المنتخبين والمتبرعين للحزب حذروا أعضاء اللجنة من أن تمرير القرار الناقد لإسرائيل سيقسم الحزب الديمقراطي، ويكلفه تبرعات وانتصارات في الانتخابات النصفية. في الجهة الأخرى، أبلغ أعضاء اللجنة أنهم تلقوا ما يصل إلى خمسة آلاف رسالة بريد إلكتروني أو مكالمة من شباب ديمقراطيين وناشطين تقدميين يحثونهم على التصويت لصالح القرار المطالب بوقف السلاح لإسرائيل.
وكما كان متوقعًا، فاز قرار القيادة وخسر مقترح الشباب الديمقراطيين. لكن فور التصويت، أعلن رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية، كين مارتن، بعد حديثه مع رعاة القرار الأكثر انتقادًا، أنه يطلب – باسم وحدة الحزب – سحب قراره وعدم عرضه على كامل اللجنة للمصادقة. كما تعهد بإنشاء فريق عمل يضم الأطراف المعنية بمواصلة النقاش وإيجاد حلول يمكن تقديمها لاحقًا للنقاش داخل الحزب.
أصيب بعض الناشطين بخيبة أمل، سواء من المؤيدين لإسرائيل الذين وصفوا مارتن بالضعف و”الاستسلام لليسار المتطرف”، أو من المؤيدين للحقوق الفلسطينية الذين قالوا إن الطريقة التي عولج بها الملف لن تؤدي إلا لتأجيل الحساب مع إسرائيل، وزيادة الضحايا الفلسطينيين، وتوسيع الهوة بين الشباب والحزب الديمقراطي.
كلا الطرفين مخطئ. قرار مارتن كان سياسيًا مدروسًا، وفي الواقع، فإن أنصار تغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل حققوا انتصارًا مهمًا.
من المهم إدراك حقيقة أساسية: اللجنة الوطنية الديمقراطية ليست هيئة تشريعية، فهي لا تصنع السياسة. السياسة تصاغ في الكونغرس والبيت الأبيض. حتى لو تبنت اللجنة قرارًا بوقف مبيعات السلاح لإسرائيل، لما تغيّر شيء عمليًا. ما يمكن للحزب أن يفعله هو عكس مواقف الديمقراطيين من القضايا الجوهرية ومساعدة النقاش على التقدم. وهذا بالضبط ما فرضه القرار الناقد لإسرائيل على جدول الأعمال الأسبوع الماضي.
جدير بالذكر أن هذه المرة لم تكن سوى الرابعة التي يُطرح فيها ملف فلسطين في اجتماع رسمي للحزب خلال أربعة عقود. لكنها المرة الأولى التي يُطرح فيها النقاش من القاعدة الشعبية وليس استجابة لمرشح رئاسي.
في 1984 و1988، تمكنت من تمثيل حملة جيسي جاكسون وطرح بنود في البرنامج تدعو لحقوق الفلسطينيين. ولم يُطرح الموضوع مجددًا حتى 2016 عندما مثلت حملة بيرني ساندرز وقدمت قرارًا مشابهًا. في كل تلك المرات خسرنا، ولم تُبدِ القيادة أي اهتمام بالاستماع لمخاوفنا. بل إنه بعد هزيمة قرار 1988 الذي دعا إلى “الاعتراف المتبادل، والتسوية الإقليمية، وحق تقرير المصير للإسرائيليين والفلسطينيين”، طُلب مني مغادرة منصبي في اللجنة الوطنية الديمقراطية بدعوى أن وجود مؤيد لفلسطين يمثل عبئًا على الحزب!
لكن نتائج هذا العام كانت مختلفة بوضوح، وذلك لأن الرأي العام تغيّر جذريًا. ورغم أن جماعات الضغط الموالية لإسرائيل ما زالت مؤثرة، إلا أن قوتها تراجعت. فاستطلاعات الرأي تظهر أن الديمقراطيين مستاؤون بشدة من أفعال إسرائيل، وأكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين، ويطالبون بإنهاء الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لإسرائيل، بنسبة تتراوح بين سبعة إلى واحد أو عشرة إلى واحد. ومع اقتراب انتخابات منتصف 2026، باتت قضيتي دعم الفلسطينيين ووقف السلاح لإسرائيل اختبارًا أساسيًا لمرشحي الحزب.
بناءً عليه، فإن قرار كين مارتن بسحب قراره وإنشاء فريق عمل لمواصلة الحوار يعكس وعيًا بالتحولات داخل الحزب، وإدراكًا بأن الوضع القائم لم يعد مقبولًا أو قابلًا للاستمرار. على أنصار الحقوق الفلسطينية أن يفهموا أن ما جرى كان انتصارًا وخطوة مهمة إلى الأمام في النضال الطويل من أجل العدالة.
⸻
إخلاء مسؤولية
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب فقط، ولا تعكس بالضرورة موقف المعهد العربي الأمريكي. المعهد منظمة غير ربحية وغير حزبية لا تدعم أي مرشح سياسي
المصدر: The National – 1 سبتمبر/أيلول 2025