اختصر تفاعل الفنانين والشباب بغزة رسماً وغناءً مشهد أسطول الصمود برمته، عبر الإشادة بالروح العالية، والتضحيات الهائلة التي قدمها المشاركون بالأسطول الأممي الذي سعى لكسر الحصار والمجاعة عن غزة، وانتظار الموجة أو الموجات التالية منه، وفي السياق، الضغط لوقف حرب الإبادة هناك. ورغم عدم تحقيق الهدف التكتيكي والمرحلي المباشر المتمثل بالوصول إلى سواحل غزة وبالتالي كسر الحصار، إلا أن الهدف الاستراتيجي تحقق بالتأكيد، وذلك مع انتشار وتبني الرواية الفلسطينية، والقضية العادلة، وتكريس عزلة إسرائيل الدولية، كما استحالة أن يبقى الوضع على حاله بغزة وفلسطين بشكل عام، مع تجذر قاعدة إن لا سلام واستقرار وأمن بالمنطقة وحتى بالعالم دون حلّ عادل للقضية الفلسطينية يرتضيه أهلها وحلفاؤهم وداعموهم الكثر حول العالم.
عصابات وقراصنة
إذن وبداية نحن أمام جهد وعمل كبير مؤسساتي منظم وأهلي خالص، تمويلاً وإعداداً وتنفيذاً، بمشاركة المئات من 47 دولة حول العالم، شملت أربع جهات الأرض، مع الإشارة إلى سعي إسرائيلي مقابل وعلى طريقة العصابات والقراصنة لإيقافه، عبر استهداف مباشر لسفن الاسطول وتعطيل منظومة الاتصالات والقيادة في تونس ومناطق أخرى بعرض المتوسط، ورغم تقديم الحماية فيما بعد من عدة دول -تركيا وايطاليا وإسبانيا- ونصائح بالتوقف والعودة إلى نقاط الانطلاق، والتعهد بإيصال المساعدات الانسانية إلى غزة عبر منظمات أممية موثوقة، إلا أن المشاركين أصروا على خطتهم الأصلية بالإبحار حتى شواطئ غزة وإيصال المساعدات، وبالحد الأدنى إيصال رسائلهم عبر بث حي ومباشر تابعه الملايين حول العالم.
حسب مصادر مطلعة، شملت النصائح والرسائل الأوروبية والإيطالية تحديداً أن الحماية للأسطول ومنع استهدافه بأعالي المتوسط بعيداً عن غزة لا تعني الصدام العسكري المباشر مع جيش الاحتلال وأسطوله المدجج، لكن أيضاً مع الحصول على تعهدات إسرائيلية بعدم استخدام القوة أو التنكيل بالأسطول والمشاركين فيه، حتى مع الرفض من حيث المبدأ وعدم شرعنة أو تغطية التصرف الإسرائيلي كونه غير شرعي وقانوني ولا يمكن الدفاع عنه أمام المحاكم المختصة وساحات الرأي العام المحلي والأوروبي والدولي.
وعليه لم تكن مفاجئة قرصنة جيش الاحتلال للأسطول وسفنه وأعضائه بعرض البحر والمياه الدولية مقابل سواحل غزة، وهي بالتأكيد جريمة ضد القانون الدولي وحرية الملاحة البحرية المفترض أنها محمية خارج سلطة الاحتلال، ناهيك عن إن غزة نفسها محتلة برّاً وجوّاً وبحراً وفق المواثيق والقوانين والقرارات الدولية ولا تملك إسرائيل الشرعية للسيطرة عليها أو منع الوصول إليها.
بلطجة وإرهاب
كالعادة لم تلتزم الدولة العبرية بالقوانين الدولية ولا تعهداتها ورغم عدم استخدام القوة العسكرية الغاشمة بشكل مباشر ضد الأسطول والمشاركين بعرض البحر، خصوصاً بظل إصرار هؤلاء على الجوهر السلمي لنشاطهم في مواجهة القرصنة، ومع ذلك جرى التنكيل بهم واعتقالهم بطريقة غير إنسانية وتوجيه الإساءات والشتائم لهم من قبل وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير وأجهزة القمع التابعة، حيث قام بن غفير شخصياً بتعمد توجيه الاهانات والشتائم لهم، ونشر ذلك علناً، وهو ما أكد بالحقيقة بلطجة وإرهاب الدولة العبرية أمام العالم أجمع كما صحة مواقف ورسائل الأسطول جملةً وتفصيلاً.
بالعموم جاءت العملية والمسيرة كلها منهجية ومحسوبة ودقيقة وربما لم ينجح الأسطول بالوصول إلى سواحل غزة وافراغ حمولته الإنسانية لأطفالها ونسائها ورجالها لكن الرسالة وللدقة الرسائل وصلت حتماً لجهة إن الغزيين والفلسطينيين ليسوا وحدهم وحصار غزة لا يمكن أن يستمر كما حرب الإبادة والاحتلال نفسه مع العناد والإصرار على الاستمرار والمثابرة والعناد واستخدام لغات ووسائل يفهمها ويدعمها مع التأكيد على المضي قدما في ارسال الأساطيل الإنسانية الى غزة حتى كسر الحصار الظالم وغير الأخلاقي ونيل الغزيين حريتهم.
بالسياق أكد الأسطول التتابع المنطقي الذي نفهمه ويدعمه العالم حيث لا يمكن كسر الحصار دون إنهاء الحرب أولاً، ولا يمكن إنهاء الحصار والحرب نهائياً إلا في سياق مسار سياسي لا رجعة عنه يضمن للفلسطينيين حق تقرير المصير وحكم أنفسهم بأنفسهم في دولة مستقلة وحرة وسيدة لكل مواطنيها.
إلى ذلك، أكد الأسطول مرة جديدة ما نعرفه لجهة أهمية خوض المعارك متعددة المستويات بمواجهة الاحتلال، وبسياقات دبلوماسية وسياسية وإعلامية وقضائية وجماهيرية لا يمكن أن تربحها الدولة العبرية أبداً، حيث الساحة الدولية خصبة والبيئة مواتية مع صعوبة وحتى استحالة إخفاء الجرائم الإسرائيلية وانهيار الدعاية والأكذوبة المنهارة برمتها عن واحة الديمقراطية، والقاعدة المتقدمة للحضارة الغربية والعصرية بالمنطقة، مع تجاوز وانتهاك أسس وقواعد تلك الحضارة كما يجرى الترويج لها في سياقاتها المختلفة الفكرية والسياسية والإعلامية.
في الأخير باختصار وتركيز أكد أسطول الصمود وبطولات وتضحيات أعضائه مرة أخرى حقيقة إن الكرة لا تزال في ملعبنا كفلسطينيين لنرتقي كقيادة على الأقل إلى مستوى قضيتنا العادلة وتضحيات شعبنا وحجم التعاطف والدعم والمساندة العالمية شعبياً وحتى رسمياً معنا وهو ما تبدى جلياً في مشهد احتفاء شباب وصبايا غزة الحي والحيوي بالأسطول رسماً وغناءً والأمل في استقبالهم مرة أخرى في غزة الحرة كخطوة لا غني عنها على طريق استقبالهم ضيوفاً أعزاء في فلسطين الحرة والمستقلة كذلك.
عن موقع المدن