عرض وتحليل نقدي لكتاب "حتى لا تموت قاعداً"
تاريخ النشر : 2025-10-28 21:49

تأليف: جلعود بن دخيل القحطاني – 1444هـ

الناشر: شركة تكوين المتحدة للنشر والتوزيع – جدة

يقدّم الكاتب جلعود بن دخيل القحطاني في كتابه «حتى لا تموت قاعداً» عملاً فكرياً تحفيزياً يجمع بين الوعظ والإرشاد والتنمية الذاتية، متخذاً من عنوانه مدخلاً رمزياً إلى فلسفة الحياة الفاعلة. فالكتاب، الصادر عن شركة تكوين المتحدة للنشر عام 1444هـ، يقع في نحو 192 صفحة، ويُصنَّف ضمن الأدب الإرشادي الذي يعالج قضايا النجاح، والعمل، والتقاعد، والبحث عن المعنى الإنساني في مواجهة الركود والخمول الروحي أو الاجتماعي.
العنوان نفسه يختصر رسالة المؤلف: أن الموت الحقيقي ليس توقف القلب، بل توقف الإرادة، وأن القعود هنا استعارة عن الاستسلام والعزلة والانسحاب من الحياة. لذا يأتي الخطاب موجهاً إلى كل من أنهكه الزمن أو أُحيل إلى التقاعد، أو من فقد الحافز للاستمرار، داعياً إياه إلى النهوض مجدداً لاستعادة المعنى والفاعلية.
يستند القحطاني إلى منهج وعظي تحفيزي متدرج، يجمع بين الخطاب الأخلاقي والبعد الإنساني، فيطرح رؤى فكرية وسلوكية حول إدارة العمر واستثمار الخبرة، ويؤكد أن نهاية العمل الرسمي ليست نهاية العطاء، بل بداية لحياة جديدة. ويبدو أنه يهدف إلى تصحيح الصورة الذهنية عن التقاعد، مقدّماً بدائل واقعية للعمل التطوعي، والتعليم المستمر، وخدمة المجتمع، ومواصلة الإبداع في مجالات تناسب الخبرة والعمر.
أسلوب الكتاب بسيط، قريب من لغة الخطاب الوجداني، يخاطب العقل والروح معاً، ويزاوج بين القصص والمواقف الواقعية، وبين التأملات الوعظية. وهو بذلك يقترب من المدرسة الإسلامية الحديثة في الإرشاد النفسي والاجتماعي، التي تسعى إلى استنهاض الطاقة الروحية لتتحول إلى سلوك عملي منظم. غير أنّ هذا الأسلوب، على ما فيه من دفء إنساني، يجنح أحياناً إلى التكرار الوعظي أو العمومية في المعالجة، دون الغوص في تشخيص العوامل النفسية والاجتماعية التي تُنتج “الموت القاعد”، كالعزلة، أو الإقصاء الاجتماعي، أو ضعف المشاركة المؤسسية لكبار السن.
ومع ذلك، يُحسب للمؤلف أنه استشرف قضية مجتمعية بالغة الأهمية في المجتمعات الخليجية والسعودية والعربية تحديداً، حيث تتنامى أعداد المتقاعدين، وتتبدل أنماط العمل والمعيشة، وتُطرح أسئلة جديدة حول دور الفرد بعد انتهاء حياته الوظيفية. فجاء الكتاب ليعيد الاعتبار إلى قيمة الإنسان بعد العمل، وليذكّره أن جوهر الحياة ليس في الكسب وحده، بل في الفاعلية والاستمرار والإسهام في البناء.
من الناحية البنيوية، يظهر الكتاب منظماً في فصول قصيرة تتخللها حكم وتأملات وخلاصات عملية، مما يجعله قريباً من القارئ العام، وسهل التوزيع والاستخدام في أوساط ثقافية وتربوية. كما أن إخراجه الفني أنيق، والعنوان موفق في شدّ الانتباه بما يحمله من قوة دلالية وصوتية تُعبّر عن مأزق الإنسان المعاصر بين الراحة القاتلة والحركة المبدعة.
نقدياً، يمكن القول إن المؤلف نجح في توليد خطاب إنساني إيجابي يعيد تعريف النجاح من زاوية قيمية لا مادية، ويعيد صياغة مفهوم العمر والفاعلية، مستلهماً روح الإسلام التي تحض على العمل حتى “لو قامت الساعة”. لكنه كان بحاجة إلى مزيد من التحليل النفسي والاجتماعي لتجربة التقاعد في الواقع المحلي، وربما إلى دعم أطروحاته بشواهد علمية أو ميدانية، ليزداد عمقاً وموثوقية.
في المحصلة، يمثل كتاب «حتى لا تموت قاعداً»
دعوة مفتوحة إلى الإنسان كي يبقى حياً بالفعل لا بالوجود، وأن يحوّل أزماته إلى فرص، وخساراته إلى بدايات جديدة. إنه نصّ أخلاقي ومعنوي بامتياز، يستحق القراءة والتأمل، خصوصاً في زمنٍ تتسارع فيه التحولات وتتهدد فيه روح الإنسان بالجمود والعزلة.
إنه تذكيرٌ بأن الحياة ليست وظيفةً تنتهي بقرار إداري، بل معنىً يتجدد بالإرادة… حتى لا نموت قاعدين.