
القمة العربية الإسلامية بالدوحة: الضغط لوقف الحرب على غزة

أمد/ تنعقد اليوم الإثنين قمة عربية إسلامية لافتة ومهمة جداً، زمانياً ومكانياً، في الدوحة، تضامناً مع دولة قطر بمواجهة العدوان الإسرائيلي عليها، إثر محاولة الاغتيال التي استهدفت أعضاء المكتب السياسي لحركة "حماس" أثناء اجتماعهم لمناقشة اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للتوصل إلى اتفاق نهائي وشامل لوقف الحرب على غزة، بعيداً عن مقاربة الصفقات الجزئية كما حصل خلال العامين الماضين، بعدما تجاوزت إسرائيل كل منطق وعقال وصولاً إلى الإبادة الجماعية والمجاعة والتهجير القسري داخلياً وخارجياً، وبعدما استنفذ الخيار العسكري نفسه كما يقال عن حق في العالم كله وحتى في الإعلام العبري نفسه.
القمة ليست فقط لتجسيد مظلة الدعم والمساندة لقطر بمواجهة العدوان الهمجي عليها، إنما للتفكير في كيفية الضغط متعدد المستويات، السياسية والدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية، على إسرائيل لإنهاء الحرب دون الوقوع بمطلب العودة إلى مساء 6 تشرين أول/أكتوبر 2023، بل التوجه نحو اليوم التالي بمسار وأفق سياسي لا رجعة عنه نحو إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة والاستقلال على الأراضي المحتلة عام 1967، مع حل عادل لقضية اللاجئين وفق المواثيق والقرارات الدولية، تحديداً القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة بالعام 1949.
ثلاث عناوين رئيسية
إذن، يمكن وضع ثلاثة عناوين رئيسية للقمة العربية الإسلامية في الدوحة؛ تتمثل بالتأكيد على سيادة قطر وأمنها وسلامة أراضيها، ورفض العدوان الإسرائيلي الهمجي ضدها، ومواصلة العمل والضغط لإجبارها على وقف الحرب والإبادة الجماعية والمجاعة بغزة.
عليه تجسد القمة العربية الإسلامية مبدئياً مظلة الحماية والتضامن الواسعة والراسخة خليجياً وعربياً وإسلامياً وحتى دولياً مع قطر، بمواجهة العدوان الإسرائيلي غير المبرر وغير المقبول ضدها، وتمثل هذه المظلة ذات السقف العالي والقواعد الراسخة، على عكس ما يعتقد أو يرى كثيرون، عائقاً وحاجزاً جدياً وصلباً أمام إسرائيل لعدم تكرار المحاولة مرة أخرى، لا بقطر ولا أي دولة عربية وإسلامية أخرى، كون العدوان الهمجي بالدوحة يمثل، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، أيضاً قمة منحنى الغطرسة والانفلات الإسرائيلي الهابط حتماً بعد ذلك، بمعنى أن إسرائيل وأمام هذه المظلة العربية والإسلامية الراسخة حتى من دول تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية معها، لن تكون بوضع يسمح لها بتكرار المحاولة لا في الدوحة ولا القاهرة ولا اسطنبول ولا أي العواصم والحواضر الأخرى، لكن هذا لا ينطبق للأسف ولو مرحلياً وعلى المدى القصير على سوريا الجديدة ولبنان الجديد، حيث سيستمر العدوان الإسرائيلي ولكن بالمدى المنظور فقط، مع محاولات وجهود سياسية ودبلوماسية وإعلامية واقتصادية جدية لإيقافها، ودعم سيرورة النهوض والبناء في سوريا ولبنان وفق القرات الدولية ذات الصلة تجاه إسرائيل-1974 و1701- والأهم، المضي قدماً في عملية البناء والتنمية الداخلية وفق قاعدة سلطة واحدة قانون واحد وسلاح واحد، وهي بذاتها أسمى وأنجع أشكال المقاومة –الجهاد الأكبر- والقيام بذلك ليس إرضاءً أو التزاماً بالأجندة الإسرائيلية، وإنما بالمصالح الوطنية والقومية لدمشق وبيروت على حد سواء.
للدقة النكبة الجديدة بغزة، وتجاوز الخطابات والمواقف النظرية والمبدئية على أهميتها أيضاً، وتبني وسائل وأدوات هي قيد الاستخدام أصلاً، وتشمل مقاطعة إسرائيل ومعاقبتها ومحاسبتها وخوض حملة لعزلها عربياً وإسلامياً ودولياً.
وفيما يخص وقف حرب غزة أيضاً، فحتما ًلا تكفي المناشدة والدعوات الخطابية على أهميتها، وإنما يستلزم الأمر خطة فلسطينية عربية مدعومة دولياً، ومن هذه الزاوية تحديداً تبدو القمة العربية الإسلامية بالدوحة كذلك صورة موسعة عن اجتماع مجلس الأمن صباح الجمعة الماضية، الذي كرس عزلة وتجريم الدولة العبرية، وأبعد من ذلك، تبدو قمة الدوحة امتداداً للقمة العربية الاسلامية التي عقدت في الرياض في تشرين ثاني/نوفمبر 2023 بعد بداية الحرب في غزة، وبالتالي يمكن اعتبار قمة الدوحة بمثابة الرياض 2.
مؤتمر حل الدولتين
وللتذكير كانت قمة الرياض قد شكلت لجنة عربية إسلامية جالت العواصم الدولية الكبرى لوقف الحرب وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة، ومع استمرار الحرب وتجاوزها كل منطق وعقال وتحولها إلى إبادة جماعية ورفض إسرائيل كافة التفاهمات والاتفاقيات لوقفها، ارتفع سقف اللجنة وعملها نحو قيادة مؤتمر حل الدولتين في نيويورك في تموز/يوليو الماضي، ودعم موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية لتكريس عزلة اسرائيل وانطلاق سيرورة مقاطعتها ومحاسبتها وعقابها على كل المستويات السياسية والدبلوماسية والقضائية والاقتصادية كما رأينا من دول عربية واسلامية وحتى غربية وأوروبية مثل إسبانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، مع انضمام مهم ولافت لألمانيا الى العملية والسيرورة حتى مع تأجيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهى خطوة متقدمة ومرحب بها بالتأكيد.
بالسياق، تجب الإشارة إلى أن الخطة موجودة ومتوفرة، أو يفترض أنها كذلك، ولكنها تقتضي شجاعة فلسطينية، وتوافق وطني واسع حول أجندة واضحة، تتوافق مع الخطة المصرية العربية المدعومة دولياً ويمكن أن تنال أوسع درجة ممكنة من الدعم والتأييد، مع الإشارة إلى أن الخطة المصرية العربية التقنية والمتعلقة أساساً بالتعافي وإعادة الاعمار تفتقد إلى تحديد سياسي واضح لجوهر اليوم التالي المطلوب، وهو ما توفر في مؤتمر حل الدولتين والتسونامي السياسي والدبلوماسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
أخيراً وباختصار وتركيز، علينا كفلسطينيين ملاقاة مظلة الحماية العربية والاسلامية للدوحة والمتوفرة أيضاً لسيرورة نهوض سوريا الجديدة ولبنان الجديد، حيث يمثل وقف الحرب بغزة الخطوة الأولى، ثم العمل وفق أجندة وطنية فلسطينية مترابطة مع الخطة المصرية العربية المدعومة إسلامياً ودولياً لوقف الإبادة والمجاعة، وتنفيذ حكم الإعدام الإسرائيلي لغزة حسب تعبير مكتب "أوتشا" للشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أول أمس السبت، وإضافة لذلك، ملاقاة التقبل الدولي للرواية والقضية الفلسطينية العادلة بموازاة تآكل مظلة الحماية الغربية التاريخية للدولة العبرية نفسها.
عن المدن اللبنانية