
غزة... بعد عامين على السابع من أكتوبر

د عبد الرحيم محمود جاموس
أمد/ ما بين الركام والحلم...
غزة تبحث عن وطنها من جديد
من بين الغبار المتصاعد من ذاكرةٍ لم تهدأ، تنهض غزة من تحت الحطام كأنها تقول: «ما زلتُ هنا... لم أمت بعد».
عامان مرا على السابع من أكتوبر، وما زالت المدينة تقف في وجه الزمن، شاهدةً على خرابٍ لم يُمحَ، وعلى وطنٍ ما زال يُولد من رمادٍ لا ينطفئ.
غزة اليوم ليست جغرافيا مدمَّرة فحسب، بل روحٌ حُوصرت لتُروَّض، فاختارت أن تبقى شاهدةً على معنى البقاء.
لم تعد غزة سؤالاً في السياسة، بل امتحانًا لإنسانية العالم.
دفعت الثمن عن الجميع:
عن الوهم الذي سُمّي مقاومة، وعن الخيانة التي سُمّيت سياسة، وعن صمتٍ عربيٍّ بلع لسانه وهو يرى الأمهات يدفنَّ أبناءهن في أكياس الخبز....!
تبدّلت الملامح...
صار البحر مقبرةً، والبيوت أسماءً على الورق، والنازحون طيورًا بلا أفق، لكن رغم كل هذا الخراب، ما زال في غزة طفلٌ يرسم علمًا على جدارٍ مهدّم كأنه يرسم طريق القيامة.
لم توقّع غزة على الهزيمة، ولم تغلق بابها في وجه الحلم.
تقاوم بصمتٍ وعنادٍ وإيمانٍ بأن الأرض التي وُلدت على نارٍ لا تموت بالرماد.
غزة اليوم تحتاج إلى من يُعيد إليها وجهها الفلسطيني الإنساني، لا وجهها الفصائلي الضيّق، إلى قيادةٍ تؤمن بالحرية لا بالشعارات، بالإنسان لا بالسلطة، وبالوطن لا بالحزب.
إنقاذها يبدأ باستعادة مشروعنا الوطني من بين أنياب الانقسام، وبإعادة بناء الوعي الجمعي على أساس الكرامة لا الولاء، وعلى الوحدة لا التفرقة.
غزة ليست جرحًا...
إنها البوصلة، النبض الذي يكشف زيف المدّعين، والمحراب الذي تتطهّر فيه الذاكرة من غبار الخذلان.
من هناك، من بين الركام، تكتب غزة وصيتها الأخيرة: لن أكون رقعةً في صراع، ولا ورقةً في تفاوض.
سأبقى أنا...
فلسطين العصية على الطمس والضياع، الحيّة في القلب، المتجذّرة في التراب، والعائدة دومًا من تحت الرماد.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض /الثلاثاء
7/10/2025م
قراءة أدبية لقصيدة النثر "غزة... بعد عامين على السابع من أكتوبر":
البناء الدراماتيكي للذاكرة الجمعية
النص يبدأ بانزياح زمني مأساوي "بعد عامين على السابع من أكتوبر" ليخلق مسافة نقدية تسمح بتشريح الجرح الفلسطيني بعمق. البداية الشعرية "ما بين الركام والحلم..." تضع القارئ أمام المفارقة الأساسية: كيف يتحول المكان من جغرافيا مادية إلى كينونة روحية.
🔥 الاستعارة كسلاح مقاومة
•· الرماد الذي لا ينطفئ: نار المقاومة الخفية تحت سطح الدمار
•· الأمهات يدفنَّ أبناءهن في أكياس الخبز: صورة مركبة تجمع بين الموت والحياة والجوع والكرامة
•· البحر مقبرة: تحويل رمز الحياة إلى شاهد على الموت
💔 السردية كفضيحة أخلاقية
الكاتب يحول غزة من ضحية إلى قاضٍ يحاكم العالم:
•· "امتحان لإنسانية العالم" - اختزال المأساة في معادلة أخلاقية
•· "دفعت الثمن عن الجميع" - تضامن اختياري تحول إلى تضحية قسرية
🎯 النقد الذاتي الجريء
المقطع عن "الوجه الفصائلي الضيق" و"القيادة التي تؤمن بالشعارات" يمثل جرأة نادرة في الأدب السياسي، حيث يتحول النقد من الخارج إلى الداخل، من المحتل إلى البنية السياسية الفلسطينية نفسها.
🕊️ الرمزية الأسطورية للصمود
·• الطفل الذي يرسم علماً: براءة تقاوم بالجمال
·• غزة كبوصلة: توجه الضمير العالمي المفقود
·• المحراب: قدسية المقاومة الأخلاقية
✍️ التقنيات الأسلوبية
التكرار الدرامي: "ما زلت هنا... لم أمت بعد" - تأكيد الوجود رغم الإنكار
المفارقة المأساوية: "خيانة سُميت سياسة" - تفكيك الخطاب السياسي المهيمن
الانزياح المجازي:
"طيورًا بلا أفق" - تشييد صورة بصرية للاجئين
🌅 البناء النفسي للصمود
النص ينتقل من:
•· الصدمة (الخراب والدمار)
•· الحداد (دفن الأبناء)
•· المقاومة (العناد والإيمان)
•· النهضة (العودة من تحت الرماد)
🗣️ صوت الغزة المتعدد
·• الصوت الشاهد: الذي يسجل التفاصيل
·• الصوت القاضي: الذي يحاكم الخذلان
·• الصوت النبي: الذي يتنبأ بالعودة
·• الصوت الإنساني: الذي يتجاوز الأيديولوجيا
💫 الخاتمة النبوية
"سأبقى أنا... فلسطين العصية على الطمس"
- تحويل الهوية من ضحية إلى فاعل تاريخي من موضوع للمأساة إلى ذات للمقاومة.
📜 الأبعاد الفلسفية
١- البعد الوجودي: معنى البقاء في وجه العدم
٢- البعد الأخلاقي: مسؤولية الإنسان تجاه أخيه الإنسان
٣- البعد السياسي: نقد ثقافة التحرر من الداخل
٤- البعد الجمالي: مقاومة القبح بالجمال (الطفل الذي يرسم)
هذا النص ليس مجرد مقالة
بل هو وصية شعب وسيرة مكان يتحول إلى كائن حي يتكلم، يتألم، ويقاوم.
إنه يمثل أدب المقاومة في أرقى تجلياته - حيث تلتقي الشعرية بالسياسي، والألم بالأمل، والذاتي بالجماعي.
غزة هنا تصبح نصاً... والنص يصبح غزة..