
عامان من جحيم الإبادة

عمر حلمي الغول
أمد/ انطوى أول أمس الاثنين 6 تشرين اول / أكتوبر 2025 عامان من جحيم الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، بمرارتها وعلقمها ودمارها الهائل وغير المسبوق في تاريخ الصراع العربي الصهيوني مع تذرع دولة الإبادة الإسرائيلية بهجوم عناصر حركة حماس على مستعمرات الغلاف المحاذية لقطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، وارتكبت القوى الحربية الغربية مع إسرائيل النازية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أطول حرب، التي أدمت الشعب في القطاع، حيث بلغ عدد الضحايا من الشهداء والجرحى ما يزيد عن 260 الفا جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، بالتلازم مع ابشع وافظع عملية تدمير لمعالم الحياة كافة في مدن القطاع من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، ومازالت آلة الحرب الإسرائيلية للعام الثالث تواصل عملية القتل والابادة على غزة الابية. رغم تعاظم الرفض العالمي الأهلي والرسمي لجريمة العصر، ولكن الإدارتين الأميركية السابقة والحالية حالت دون تبني مجلس الأمن الدولي قرارا بوقف الإبادة من خلال استخدامها حق النقض الفيتو 6 مرات، ليس هذا فحسب، بل انها تدخلت بشكل مباشر في قيادة دفة الحرب القذرة، وقدمت لدولة إسرائيل اللقيطة والخارجة على القانون نحو 31 مليار دولار أميركي، منها 22 مليار دولار أسلحة فتاكة من مختلف الصنوف، و10 مليارات مساعدات في مجالات شتى، وفق المصادر الأميركية، مما دفع حكومة الائتلاف النازي الإسرائيلية بالصعود الى قمة الهوس والجنون لإدامة الحرب الهمجية لتحقيق أهدافها التي اعلنها بنيامين نتنياهو وأركان حكومته، وعنوانها بلوغ " النصر الكامل"، التي لم يتحقق منها سوى قتل الأطفال والنساء والابرياء.
وهنا يبرز السؤال المركزي، هل كان هجوم عناصر حماس حكيما ويستقيم مع موازين القوى القائمة مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية؟ وهل كان لدى قياداتها تقدير حقيقي لأبعاد العملية العسكرية، أم انها كانت نزوة ارتجالية حكمتها الانفعالات والعواطف، وتقدير صبياني أهوج، أم أن العملية او ما سمي "طوفان الأقصى" كان معدا ومرتبا لخدمة أهداف الأعداء بادراك مسبق أو دون ذلك؟ ولماذا إذا كان الهدف وطنيا، كما أعلن عنه قادة حماس الذي تضمنه خطاب محمد الضيف مع انطلاق الهجوم، وادعى انه يهدف الى تحرير الأقصى والأرض الفلسطينية وتبييض السجون، لماذا لم يتم التنسيق مع القوى الفلسطينية المختلفة وعلى رأسها قيادة منظمة التحرير؟ ولماذا لم تحاول قيادة حركة حماس مراجعة حساباتها بعد تدخل قوات الغرب الامبريالي مباشرة في دوامة الإبادة على الشعب الفلسطيني، وتدارك الموقف لحماية أبناء الشعب من المقتلة الوحشية؟ ولماذا ضيعت فرص وقف إطلاق النار أكثر من مرة، أم أخذتها العزة بالإثم، وركبت ظهر المجن وواصلت توريط الشعب في لجة القيامة الأخطر في تاريخ الصراع؟
في الحقيقة الموضوعية والمسؤولة، أجزم ان الهجوم الحمساوي كان نزقا صبيانيا، وخدم العدو الإسرائيلي الأميركي في إدماء الشعب الفلسطيني، وهذا التقدير يعود الى محاكاة تجربة الإبادة الجماعية المنطقية على مدار العامين الماضيين، وليس ردة فعل على حجم الضحايا من أبناء الشعب الفلسطيني، ولا اسقاطا رغبويا، ولا شكلا من اشكال العداء لجماعة الاخوان المسلمين في فلسطين، الذين وجدوا أساسا في الوطن العربي والعالم الإسلامي عام 1928 كأداة لخدمة اهداف الغرب الرأسمالي في فلسطين والدول العربية والإسلامية، ولا تقتصر المحاكاة عند حدود الانقلاب الأسود الحمساوي أواسط العام 2007، وانما لسلسلة جرائم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الوطن العربي من مصر الى سوريا الى الأردن وتونس وليبيا والجزائر والسودان واليمن وغيرها من الدول، وبالتالي التقييم استند الى القراءة الموضوعية لتجربتهم التاريخية، ومنها تجربتهم في فلسطين، وموقفهم العدائي التاريخي من مبدأ ظهور الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتجربتهم الانفصالية في الانتفاضة الكبرى / ثورة كانون اول 1987 – 1993، عندما شقوا الساحة، ورفضوا الشراكة مع القيادة الوطنية الموحدة التي شكلتها القوى الفلسطينية الأربع: حركة فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب، وما تلاها من عمليات تمزيق لوحدة الصف الوطني، ورفض الوحدة الوطنية طيلة سنوات وجودها في المشهد السياسي الفلسطيني.
وهنا تفرض الضرورة مجددا التأكيد، ان هناك فرقا من القيادات الاخوانية المتورطة في المشاريع المعادية والمتناقضة مع المشروع الوطني الفلسطيني، وبين العناصر والكوادر المضللة التي قدمت ارواحها دفاعا عن مشروع التحري، التي لم تدرك خلفيات الاخوان المسلمين، واستشهدوا تحت راية حماس، هناك فرق شاسع بين الفريقين، رغم ان العناصر والكوادر كانوا ومازالوا أداة قيادات حركة حماس، لأنهم مازالوا يعيشون في دوامة الوهم، باستثناء عدد منهم أدرك اخطار سياسات الحركة الاخوانية وانفصلوا عنها.
وعلى قيادة حماس التي تتحدث مؤخرا عن الاجماع الوطني، وعن التشارك مع قيادة السلطة ومنظمة التحرير، التي إتهمتهم ب"الخيانة" و"التفريط" وغيرها من الموبقات، أن تقوم بالتالي: أولا ان تعتذر علنا عن خطاياها وانتهاكاتها لوحدة الشعب والصف الوطني وانقلابها الاجرامي، وكل انتهاكاتها الخطيرة للمشروع الوطني، ثانيا تبادر لعمل مراجعة كاملة إذا كانت معنية بالتوطن في المشروع الوطني وتريد الانضواء في صفوف منظمة التحرير، وتعمل وفق برنامج الاجماع الوطني المقر في دورة المجلس الوطني ال 23 ودورات المجلس المركزي المتعاقبة، وتلتزم بالتزاماتها الفلسطينية والعربية والدولية، ثالثا ان تسلم مقاليد الأمور في قطاع غزة لقيادة المنظمة والدولة والحكومة الفلسطينية وفق المبدأ الناظم للكل الفلسطيني: نظام سياسي واحد، قانون واحد، وسلاح واحد، وإعادة كل ما نهبته من أموال واراضي الشعب والحكومة وغيرها من اعمال النهب واللصوصية. مع أني اشك في إقدام حركة حماس على ذلك، لأنها ارتضت ان تكون أداة وظيفية
عامان استثنائيان في تاريخ القضية والشعب والأرض والنظام السياسي والمشروع الوطني، دفع الشعب ثمنا باهظا جدا، حيث دمرت مدن وبلدات ومخيمات القطاع عن بكرة ابيها، وكما هائلا من الضحايا، كان السابع من أكتوبر 2023 سببا أساسيا، قدم ذريعة كاذبة وخطيرة لإسرائيل ومن خلفها ساداتها في البيت الأبيض لمواصلة الإبادة الجماعية المنفلتة من كل عقال.