
«إذا نُفّذَ مخطط ترامب، قد تفلت غزة من السيطرة الإسرائيلية لأول مرة منذ عام 1967»

يزيد صايغ
أمد/ "هجوم 7 أكتوبر دقّ المسمار الأخير في نعش الحركة الوطنية الفلسطينية".
يزيـد صايغ – الباحث الفلسطيني في مؤسسة كارنيغي في بيروت – يشرح في حوار مع صحيفة لوموند ملامح خطة ترامب، نقاط قوتها وضعفها، وسياقاتها داخل أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد حرب غزة الأخيرة.
⸻
سؤال: الحرب في غزة خلّفت حصيلة كارثية للفلسطينيين، وخطة ترامب هي المخرج الوحيد الذي يقترحه المجتمع الدولي. ما تقييمك لهذه الخطة؟
يزيد صايغ:
الخطة تقضي بنشر قوة أمنية دولية في قطاع غزة، ووضعه تحت وصاية هيئة حوكمة دولية، مع إعادة تنشيط اقتصاده وفتحه على العالم. يرى بعض المراقبين فيها شكلاً من الاستسلام أو عودة إلى زمن الانتداب البريطاني. مشاركة شخصيات مثل توني بلير أو جاريد كوشنر تثير القلق طبعًا، لكنني أفضّل التركيز على إمكانيات الخطة.
إذا نُفِّذت بالكامل، يمكن أن تصبح غزة إقليمًا تحت حماية دولية، منطقة خارج السيطرة الإسرائيلية للمرة الأولى منذ 1967، يمكن للدول التي تعترف بفلسطين أن تتعامل معها، لتصبح فعليًا أول قاعدة ترابية للدولة الفلسطينية.
لكنني لست متفائلًا، فلهذا السبب بالذات سيحاول نتنياهو وحلفاؤه في اليمين المتطرف منع تنفيذها.
⸻
سؤال: المفاوضات حول المرحلة الثانية من الخطة ستكون حاسمة. ما أبرز التحديات؟
يزيد صايغ:
الشيطان يكمن في التفاصيل. أيّ الحكومات – عربية أو غيرها – ستكون مستعدة للمشاركة في القوة الدولية؟ ما تفويضها؟ هل ستستطيع منع الجيش الإسرائيلي من دخول المناطق التي ينسحب منها؟ هل يمكنها حرمانه من استخدام الأجواء فوق تلك المناطق؟ هل سيكون لها منفذ حر إلى البحر؟ وهل ستسيطر على الحدود مع مصر لضمان حرية مرور المساعدات والتجارة والأفراد؟
وإذا كانت مكلفة بمراقبة نزع سلاح حماس، فهل ستنزع سلاح العشائر التي استخدمتها إسرائيل لسرقة المساعدات أو منافسة حماس؟ الإجابات عن هذه الأسئلة تحدد إن كانت القوة ستصبح حامية للفلسطينيين أم أداة لتمديد السياسات الإسرائيلية والأمريكية.
⸻
سؤال: هل ما زال لحركة حماس مستقبل في غزة؟
يزيد صايغ:
في 7 أكتوبر 2023، انتحرت حماس سياسيًا. ما فعلته ذلك اليوم – أياً كانت تبريراته – أدى إلى نتائج كارثية. فرصتها الوحيدة للبقاء هي التخلي عن العمل المسلح والعودة إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة الأولى: حركة سياسية محافظة اجتماعيًا.
الخطر أن تعود إسرائيل لمهاجمتها بعد تحرير الأسرى، لكن هذا خطر يجب تحمّله إن أرادت حماس إنقاذ غزة من دمار جديد. قد تضطر لتغيير اسمها، وقد يُستبعد بعض قادتها من الحياة السياسية، لكن كفكرة وتمثيل اجتماعي محافظ، لن تختفي تمامًا.
⸻
سؤال: الخطة تنص على عودة محتملة للسلطة الفلسطينية إلى غزة. هل هي مؤهلة لذلك؟
يزيد صايغ:
فتح ماتت. جثة تمشي منذ زمن طويل. في التسعينيات، لم تستفد من زخم أوسلو لبناء قاعدة جماهيرية تواجه الاستيطان سلميًا، ولم تبنِ جسورًا مع المجتمع الإسرائيلي لتأمين قيام الدولة الفلسطينية.
آخر مبادراتها كانت الانتفاضة الثانية عام 2000، وكانت خطأً استراتيجيًا. خسرت غزة عام 2007 لصالح حماس، ومنذ ذلك الحين، تخلّى محمود عباس عنها تمامًا. أصبح رهينة لأجهزته الأمنية ولإسرائيل التي تتحكم في عائدات سلطته. هجوم 7 أكتوبر دقّ المسمار الأخير في نعش الحركة الوطنية الفلسطينية.
⸻
سؤال: هل تمثل حرب غزة نهاية للكفاح المسلح الفلسطيني؟
يزيد صايغ:
الكفاح المسلح لم يعد خيارًا مجديًا منذ سنوات طويلة. يمكن القول إن نهايته بدأت مع هزيمة منظمة التحرير في الحرب الأهلية الأردنية عام 1970. بعد ذلك اتجه فتح نحو الحل التفاوضي.
اتفاقات أوسلو عام 1993 كان يفترض أن تُنهي نهائيًا مرحلة الكفاح المسلح. لكن استمرار الاحتلال والتوسع الاستيطاني ولّد انفجارات عنف جديدة مثل الانتفاضة الثانية. ومع ذلك كانت هذه المواجهات عكسية النتائج، قوّت اليمين الإسرائيلي وأضعفت الحراك الشعبي الفلسطيني الذي تميّزت به الانتفاضة الأولى.
استعملت حماس العنف المسلح لاحقًا كوسيلة لتثبيت زعامتها، مكرّرة خطأ فتح، ومتجهة نحو الاعتراف بإسرائيل وقبول حل الدولتين، خصوصًا بعد وثيقتها السياسية عام 2017، لكنها تأخرت كثيرًا وفوّتت لحظة التسعينيات.
⸻
سؤال: كيف يمكن للحركة الوطنية الفلسطينية أن تتجدد؟
يزيد صايغ:
هناك محاولات لإصلاح منظمة التحرير وجعلها أكثر تمثيلًا، لكنها تدور حول إعادة توزيع المقاعد بين الفصائل القديمة مع إضافة حماس والجهاد الإسلامي، وهو أمر عديم الجدوى لأن هذه الفصائل فقدت وزنها الفعلي على الأرض.
لكن إذا نُفّذ مخطط ترامب فعلاً ووُضعت غزة تحت وصاية دولية، فقد يفتح ذلك الباب لحياة سياسية جديدة وانتخابات حقيقية تشمل الضفة والقدس الشرقية بإشراف دولي.
⸻
سؤال: موجة التضامن العالمي مع فلسطين بعد تدمير غزة، هل يمكن أن تخلق فرصًا جديدة؟
يزيد صايغ:
المسؤولية تقع على حركات التضامن والدول التي اعترفت بفلسطين لاستثمار أي نافذة يتيحها مخطط ترامب. إذا تُركت غزة أنقاضًا مع بعض المساعدات المؤقتة، سيكون المستقبل أكثر قتامة.
يجب أيضًا ألا نغفل الضفة الغربية، حيث قتل أكثر من ألف فلسطيني خلال العامين الماضيين على يد الجيش والمستوطنين. هناك، كما في غزة، تسعى إسرائيل لتهجير الفلسطينيين وحشرهم في جيوب صغيرة تمهيدًا لضم الأرض.
الضغط الدولي على إسرائيل يجب ألا يخف. حركة التضامن قوية، والسؤال: هل تستطيع الدول الـ140 التي تبنّت «إعلان نيويورك» بدعم من باريس والرياض – والمؤيد لإقامة دولة فلسطينية – أن ترتقي إلى مستوى هذه اللحظة التاريخية؟
المصدر : Le Monde