أمريكا الإنسانية أولاً، وأبداً!

تابعنا على:   15:15 2025-10-19

عبد الرحمن بسيسو

أمد/ ليس لتحرر "الولايات المتحدة الأمريكية" من الهيمنة الاقتصادية والسياسية والإعلامية الصهيونية، ولانعتاق الشعب الأمريكي من عقابيل هذه الهيمنة المتشعبة المتوحشة، إلا أن يكون في صالح أمريكا، وأن يستجيب لتطلعاتِ إنسانيي الشَّعب الأمريكي، وأن يفتح أوسع الآفاق أمام مستقبل وجودهما الإنساني الحضاري المتضافر، في بلد سَيِّدٍ مستقلٍّ، حُرٍّ وعظيم، لكونهما: وطناً وشعباً ، غير مُسْتَعْمَرين، أو غير مُسْتَبَدٍّ بهما، بإحكامٍ شبه مطلق، من قبل الصهيونية العالمية، وبيد إسرائيلها العنصرية المجرمة، مقترفة جرائم التدمير الحضاري، والتزوبر التاريخي، والاستلاب الثقافي، والإبادة الجماعية، في فلسطين التي تستعمرها، وفي سواها من بلاد العالم، التي تهيمن، أو تسعى على نحو محموم للهيمنة، هيمنةً استعمارية مطلقةً، عليها!

وبطبيعة الحال، سيكون لهذا التحرر والانعتاق أنْ يعزّزا انتماء "الولايات المتحدة الأمريكية" للإنسانية الجوهرية، التي أحسبُ أنَّ الأعمَّ الأغلبَ من الشعب الأمريكي؛ اليقظ باستشارة ضميره الإنسانيِّ الحيِّ، والواعي بإعمال عقله النقديِّ الوقَّاد، لا ينتمي إلا إلى هذه الإنسانية الجوهرية، وذلك بدليل المظاهرات العارمة التي لا تزال تجتاح أمريكا منذ عامين، رفضاً لتواطؤ إداراتها المتعاقبة "الجمهورية" و"الديمقراطية"، ولا سيما الإدارة الحالية: "التِّرامبية"، مع التوحش الصُّهيوني المنفلت من كل عقال، ولاستمرارها في تحفيزه ودعمه وتغطيته سياسياً، ودبلوماسيا، ومالياً، … إلخ.، وذلك استمراراً لما أمعنت الإدارات الأمريكية، المُهَيمن عليها، طوال الوقت، من قبل الصهيونية، في فعله على مدى السنوات التي لازمت السَّعي الرأسمالي الأوروأمريكي المحموم  لإيجاد "دولة إسرائيل" إيجاداً رأسمالياً إمبريالياً استعمارياً احتلالياً استيطانياً في وطن الفلسطينيين الخالد: "فلسطين"!

وللخلاص الأمريكي النهائي من نفوذ اللُّوبي الصُّهيوني مجسداً في اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة الـ"أيباك AIPAC" وتشعباتها المستفحلة في أدق تفاصيل الحياة الأمريكية، ومجالاتها الحيوية، أن يجسد الشِّعَارَ الأمريكيَّ الإنسانيَّ، الأَنبلَ والأسمى: "أمريكا الإنسانية أولاً، وأبداً"! وأن يكون انتصاراً مطلقاً للخير على الشّّر، للنور على الحُلكة، للحرية والعدل والكرامة الإنسانية على الاستبداد والظلم والمهانة، وللإنسانية الجوهرية على التَّوحش البشري، وللإله الرَّحمن الرَّحيم، على الشيطان الرَّجيم! 

فهل يمكن لأمريكا أنْ تلتقط بذرة إنسانيتها، وأن تسعى، بإرادة شعبها ودعم إنسانيي العالم، لتعهد هذه البذرة بالرعاية حتى تُينع وتصير شجرة وارفةً، لتتولى من ثمَّ متابعة المحافظة عليها، وحمايتها من كل ما يضرُّ بها، أو يناقضها، أو يسوؤها، ومواصلة تنميتها وتعزيز إثمارها  بلا توقف، وذلك بالحرص على الاستمرار في السَّعي المثابر لإدراك كَمَالٍ إنسانيٍّ جوهريٍّ، فرديٍّ وجمعيٍّ، محتملٍ، ومنشود أبداً؟! 

وهل لأمريكا إنسانيةً جوهريةً أن تكون مُمْكِنَةً حقّاً، وقابلةً للوجود الإنسانيِّ الحيويِّ الفعَّال، بمعزل عما يستوجبه ذلك من شروطٍ وجودية تتأسس تمهيدياً على إقرارٍ، واعتذارٍ، وتعويضٍ لا يتوقف تسديده أبداً من قبلها لكل ضحاياها، عن كل ما اقترفته يداها، العنصريتان الرأسماليتان الامبرياليتان المستعمرتان الاستيطانيتان المجرمتان المتوحشتان، من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وضمنها جرائم الاقتلاع والتهجير، والتدمير الحضاري، التاريخي، الأنثربولوجي الشامل، وجرائم السلب والنهب، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية، والتمييز العنصري، على مدى السنوات التي صاحبت نشأتها، وصعودها، حتى هذه اللحظة من لحظات تاريخها الموسوم بإرهاصات سقوطها الامبراطوري غير القابل للتفادي إلا بالتوقف عن ملازمة "دولة إسرائيل" الصهيونية، ودعمها بكل ما يبقيها على قيد الحياة الإجرامية والتوحش غيرالمسبوق في تاريخ البشر، ناهيك عن مشاركتها الصميمية في اقتراف ما تقترفه الآن، ومنذ مائة عام، من جرائم توحشية جسيمةٍ بحق فلسطين وشعبها، وبلاد الشَّرق، والعالم بأسره، وشعوبها، وإلا بسعيٍّ حقيقي، صادق ولاهبٍ، من قبلها لأن تكون كينونةً سياسيةً، حياتيةً ووجوديةً، إنسانيةً الجوهر، والتوجه، والمقصد، والالتزام، حقاً وفعلاً، فكراً وممارسةً، وبلا أدنى تردد، أو تقاعسٍ، أو ظلِّ شكٍّ؟ 

هل يمكن لتحقق هذه الشُّروط التي تكفل وقف سقوط "الولايات المتحدة الأمريكية" في مهاوي الجحيم الذي لم تكف الصهيونية العالمية، وإسرائيلها، عن جرها إليه، ألا يكونُ مستحيلاً؟! أحسبُ أنَّ  الإجابة الصادقة عن هذا السؤال، سواء بالإيجاب أو السلب،  ستظلُّ مرهونة بما سيقرّره الشعب الأمريكي الواعي، والمنتفض الآن لإعادة صوغ حقائق واقعه القائم، وخطط مستقبله الممكن، والمنتصر، في كلِّ حال، لإنسانيّته المهدورة، ولنفسه المستلبة، ولأمريكا التي يتصورها، ويريدها، ولا ينشد لنفسه، وبنفسه، سواها!

اخر الأخبار